تقلد فهد راشد الخليل عدة مناصب علمية وإدارية بالكويت، حاليا هو عضو في منظمة ”الإلسكو” وأستاذ بجامعة الكويت. أراد الحضور إلى الجزائر للمرة الثانية بهدف المساهمة في نفض الغبار عن التراث العلمي والأدبي والتاريخي للجزائر وتقديم الإضافة له. ”الفجر” التقت به على هامش مشاركته مؤخراً في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، وعادت بهذا الحوار.. كيف تقرأ تاريخ الأدب التلمساني بصفة خاصة والجزائري بشكل عام؟ قبل هذا أشير إلى نقطة مهمة، في البداية الأدب العربي بشكل عام أثرت فيه منذ نشأته، والتي تعود إلى ظهور اللغة العربية، جملة من الآراء والمفاهيم لا تعد ولا تحصى لامست مختلف جوانبه، لاسيما الصرفية والنحوية وكذا التعبيرية، غير أن هذه لم تكن بالشيء السلبي، بل على العكس كانت بمثابة الانطلاقة الحقيقية لتنوعه وثرائه من حيث اللغة والمفردات، لذا أعتقد أنه من الواضح جدا أن اللغة العربية أوالأدب في الجزائر، وعلى وجه التحديد بتلمسان، عرف مثل هذه الهجمة الإنتقادية التي كانت في صالحه، فالآراء التلمسانية في المسائل النحوية والصرفية واللغوية تعرضت في البداية إلى اللهجات العربية على اختلافها وكثرتها، وبالتالي كانت اللهجات هي المعين الأساسي للغة العربية، خاصة في المغرب العربي، حيث استطاعت أن تحقق انتصارا كبيرا لاستعمال كلمات معينة غير متداولة في باقي الدول العربية الأخرى، على غرار المشرقية والخليجية ك”بزاف” ومصطلح ”تربص”، التي تطلق على المتدرب أو المتمرن، أي بمعنى آخر تتعلق بالتدريب في كل أشكاله. هل كانت الآراء التلمسانية خاضعة لضوابط وقواعد معينة حتى يكون لها مثل هذا الصدى؟ بطبيعة الحال فهذه الآراء لم تكن اعتباطية إنما جاءت نتيجة بحث ودراسة أدبية كبيرة، وأن من أطلقها هم مؤسسوا ومفكروا المدرسة التلمسانية التي انبثقت عن المدرسة الأندلسية في عهد الزيانيينن، حيث أتت أكلها، وهذا ما شاهدناه من خلال الكم الهائل للمؤلفات والكتب والمخطوطات التي تعود إلى تلك الفترة، وهو ما أوصت به هذه المدرسة بضرورة التنقيب عن الكنوز المدفونة من مخطوطات وكتب تعد بالآلاف عبر كل زوايا الوطن، على غرار زوايا بسكرة وبلاد الزواوة أو ما يعرف الآن بالقبائل الكبرى، بتعبير آخر هي تريد من يشحذ الهمم حتى ترى النور قريبا. وهل مازالت المدرسة التلمسانية قائمة؟ أجل المدرسة التلمسانية لاتزال قائمة وكذا المادة العلمية موجودة في جميع الميادين ومنذ عدة قرون، وفي مقدمتها الفقه، التفسير، الحديث، التاريخ، والأدب بمجمل أشكاله، إلا أن البحث لا يتوقف هنا، باعتبار موضوع اللهجات حديث النشأة وبالتالي ينبغي إعداد دراسات معمقة ودائمة حوله من طرف الباحثين العرب أو الجزائريين على حد السواء. بذكرك اختلاف الكلمات أو اللهجات العربية، إلى أي مدى تؤثر في الكتابة الأدبية؟ بداية أرى أن اللغة مجرد كائن حي ينمو ويتطور مع الزمان والمكان، فلا شك إذن أن اللهجات تنمو أيضا لأن اللهجة لغة ولكن بدرجة أقل، وبالتالي فيستحيل أن لا تتأثر، فهي جزء مكمل للغة مهما كان نوعها. وكمثال على ذلك دعنا نتساءل هل لغة قريش هي لغة الضاد الآن؟ طبعا لا فقد تطورت كثيرا، كما هو الحال في لغة العباسيين والفاطميين التي عرفت تغيرات هي الأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة للغة الأم تتغير وتدخل عليها ألفاظ تثريها، لذا أعتبر هذه العملية أخذا وردا بين اللغة واللهجة لكن المستفيد الأكبر هي اللغة، لأن اللهجة تنصهر في اللغة، وأقول في هذا الإطار أنا ضد من يقنن اللغة العربية لأن تقنينها هو وضع حد لثرائها وتنوعها، وفي نهاية المطاف هو الموت البطيء لها. يعود الحديث عن اللهجة لتطفو إلى السطح مجددا في الشارع العربي الذي يرى الجزائريين بأنهم فرنسيين أكثر مما هم عرب، كيف ترى ذلك؟ دعنا لا نناقش هذه الأمور، فحقيقة كل ما يثري اللغة العربية هو مقبول، والدليل على ذلك القرآن الكريم كم لفظة يهودية فيه، يحتوي على الكثير، وهو نفس الشيء بالنسبة للألفاظ الرومانية، فلم يكن العلامة سيبويه عربيا بل كان فارسيا ولم يكن كذلك آخرون ممن قدموا الكثير للغة العربية. فمن وجهة نظري اللغة العربية ليست حكرا على أي أحد مهما كان، مثلها مثل حال اللغات العالمية الأخرى، والتاريخ يشهد أن الجزائريين انتصروا ودافعوا عن اللغة العربية في عديد المحطات ومختلف المحافل الدولية، فالواقع سيان في أغلب الدول العربية، وبالأخص الكويت والخليج، أين تمتزج العربية بالمصطلحات الإنجليزية وهذا ليس غريبا، فوالدي الذي يجهل قراءتها وكتابتها ولكن يتقن الحديث بها، كما أستشهد بجزائري لا اذكر اسمه حين قال ”أفضل غنيمة أخذناها من الفرنسيين هي اللغة الفرنسية”، التي اعتبرها إرثا حضاريا وثقافيا زاخرا. وأقولها بصريحة العبارة.. نحن في الكويت نتباكى على اللغة الفرنسية التي تتقنونها. وأنا لا أريد أن أدخل الآن في هذه الحساسية بقدر ما أريد تقريب هذه المفاهيم في مختلف الدول العربية، لأن الإشكالية مطروحة منذ وقت طويل وتمس كافة مناطق الوطن العربي دون تمييز، ويرجع السبب إلى وجود اعتقاد خاطئ في ذهنيات الفرد العربي وكذا استعمال لمفاهيم مغلوطة دعت إليها جهات مجهولة تحاول ضرب صميم الأمة العربية في الدين، اللغة والهوية. وبهدف تصحيح الأمور وبعث الأدب واللغة العربية من جديد دعونا، منذ أشهر قليلة، فقط للتسامح والمحبة خلال الملتقى المنظم حول أبي مدين الغوث المتعلق بالألفاظ العربية البحتة. هل أثرت الظروف السياسية التي يعرفها الوطن العربي على الأدب؟ لا أحبذ الإجابة على مثل هذه الأسئلة لأنها مجال السياسيين، ولكن أود أن أقول إنه لا يمكن إقامة حواجز تقف حجر عثرة في طريق المثقف العربي، لأن الثقافة ليس لها حدود، ونحن المثقفون نسير بلا جنسية وجنسيتنا الثقافة. ومن أجل لغة الضاد والأدب العربي نعمل المستحيل من أجل الحفاظ عليها رغم العراقيل السياسية التي تواجه الكتاب والمثقفون العرب، خاصة في هذه الفترة العصيبة للربيع العربي.