لا يمكن لك أن تتصور أنه بعد ليلة هادئة، سماؤها متلألئة بالنجوم، ستستيقظ على غطاء أبيض ممتد على امتداد البصر، سيتحكم في مصيرك طيلة أيام.. البياض هو لون الديكور الذي أفقنا عليه ب"بني يني" في أعالي القبائل، ذات صباح من يوم 2 فيفري 2012. لم نكن نتوقع أبدا بأن العاصفة ستعود بعد يومين فقط من هدوئها عندما عزلت المنطقة وقراها السبع الأسبوع الماضي. ^ وصولنا يوم الفاتح فيفري إلى عاصمة الحلي الفضية، كان عاديا رغم بقايا الثلوج على قارعة الطريق وكذا البرنوس الأبيض الذي اكتسته مرتفعات جرجرة التي تحتضن المكان وكأنها حارسه الأمين. قمة "لالا خديجة" تراقب أو بالأحرى "آث يني" هي التي تحتمي بالقمة. بني يني ترتبط في أذهاننا بالفضة وبألوانها (الأصفر، الأخضر والأزرق). لكن القليل ربما يعرف أن هذه المنطقة السياحية بالأساس قدمت للجزائر المفكر المرحوم، محمد آركون، وصاحب رائعة "الربوة المنسية"، مولود معمري، ومن الفنانين إيدير ومعه "أفافا ينوفا"، وتحتضن حاليا المرحوم إبراهيم إزري، الذي يجاور في مثواه الأخير زاوية الحاج بلقاسم. قد نتحدث عن كل هذه الجماليات بحماس لأن المنطقة فعلا فضاء متنوع تستمتع به كسائح، لكن ماذا لو عزلتك الثلوج لأيام على علو أكثر من 800 م عن سطح البحر؟ عودة العاصفة.. قبل أسبوع من الآن، هدأت العاصفة الثلجية الأولى وخلفت وراءها انقطاعات للكهرباء لثلاثة أيام كاملة، ما جعل الكل يلهث وراء الشموع حتى بسعر 90 دج للعلبة، لأنه لا خيار في ظل فقدان "التريسيتي" التي تحرك كل شيء في المنطقة، من تدفئة وإنارة، وانقطاعها كما قال لنا "موموح"، أحد سكان واحدة من القرى السبع المشكلة ل"آث يني"، يعني أنك ستموت بردا. موموح الذي يشتغل منذ 32 سنة بالفندق الوحيد بالمنطقة أو"الأوبرح" المصنف بثلاث نجوم، يتحدث بشيء من المرارة عن المنطقة ويقول "الكل يعرف بأن الثلوج تعزل المكان، لكن ماعشناه عام 2005 يعاد وبنفس السيناريو، لأن الثلوج تتساقط منذ الجمعة الماضي والقرى مغلقة المنافذ وليس هناك سوى الطريق البلدي مفتوح لإسعاف المرضى أو مرور الجنائز. أعرف أني سأتنقل بين سكني ومقر عملي سيرا على الأقدام صباحا ومساء". قبل أن تعود الثلوج لتغطي المنطقة مجددا، ليلة العاصفة، وصلت شاحنة محملة بقارورات الغاز، الكل يسرع الخطى للظفر بجرة غاز لأن القادم أصعب، فأين غاز المدينة في منطقة سياحية تحتضن عيد الحلي الفضية كل سنة؟ الجواب واحد عند موموح، أحسن ورزاق :"إنه مشروع قد يعرف النور لاحقا، لأن المنطقة صعبة وحفر قنوات لإيصال الغاز قد يأخذ وقتا طويلا. في الوقت الحالي مصيرنا مرتبط بالكابل الكهربائي، لقد تم إصلاحه قبل يومين، ندعو الله أن لا تنقطع الكهرباء، سنتجمد حتما". الثلوج أغلقت كل شيء الطريق من "الأوبرج"، أين أقمنا إلى الطريق البلدي مغلق. فالثلوج عبأت المكان في ليلة واحدة. يتعذر عليك الخروج. إلى أين المفر ؟ موظف الاستقبال حاول الاتصال بالبلدية ونجح وطلب إرسال كاسحة الثلوج، الجواب كان "نعم ستصل بعد حين". ومر الحين والساعة واليوم لكن لم تأت كاسحة الثلوج الوحيدة التي تملكها البلدية مثلما قيل لنا ومر يوم من العزلة في انتظار الفرج غدا. ومثل البارحة وعد من البلدية بإرسال "الآلة الأمل" لكن مرت الساعات واليوم دون أن يظهر لها أثر. ومن أعلى بوابة "الأوبرج" نسمع أصوات المحركات التي يعرفها موموح جيدا وقال "إنهم يزيحون الثلوج عن الطريق البلدي فقط، وحتى وإن نجحت في الوصول إلى أعلى سيرا على الأقدام لن تجد وسائل النقل. البقاء هناك في الأوبرج أأمن للجميع". نحن باقون في نفس المكان بين الغرفة والبهو والباب الرئيسي، هذا هو محيط تحركنا. ترى في العيون تساؤلات وانشغالات كثيرة لكن من يجرؤ الإفصاح عنها. البعض متخوف من تفاقم الوضع والآخر يفكر في كيفية الوصول إلى ذويه، لكن في أعماقه فقط. وفي لحظة انتفض أحسن الذي يعمل طباخا في "الأوبرج" وقال بصوت قوي "لقد غامرت هذه المرة عندما استأنفت العمل في أوج العاصفة، قطعت مسافة 40 كلم مشيا على الأقدام من عين الحمام إلى بني يني، وتعرضت لإصابة، دوامي سينتهي خلال يومين، لا أعرف كيف أعود، اتصلت بالبيت وقالوا إن سمك الثلوج بإيفرحونن فاق المتر وأنا هنا بعيد عن الطريق البلدي، إننا معزولون". لكن أحسن يستمد صبره من البقية، فرزاق يقطن ببجاية وبقي هو الآخر مع المجموعة، ماليك يقطن بواسيف وبقي وأنا بالعاصمة وأفكر صحيح في كيفية العودة لكن قلت في قرارة نفسي "إذا عمّت خفّت، فهل سأحتمل أياما أخرى؟". في اليوم الثالث، قرر عبد الرزاق، أحسن وموموح إنشاء منفذ من خلال إزاحة الثلوج ب "البالة"، الوسيلة الوحيدة الموجودة، وأنجزوا مسلكا يسع لشخص واحد لكن هو منفذ للوصول إلى الطريق البلدي، لتغيير الديكور والوجوه لأن الاستمرار في احتساب الخطى داخل "الأوبرج" فقط سيحبطك وستصاب بالاكتئاب حتما. قررنا الخروج قليلا إلى "الدنيا"، على حد تعبير أحسن والتقينا أشخاصا آخرين منهمكين في إزاحة الثلوج من أمام أبواب منازلهم ومن على سياراتهم التي غطتها الثلوج كلية وبوسائلهم الخاصة، لأن البلدية أزاحت الثلوج عن الطريق الرئيسي وفقط وهو المهم حسب الجميع والأهم هو استمرار الإنارة وعدم انقطاع التيار الكهربائي الذي كان هاجس الجميع لأنه ببساطة يعني لا تدفئة، لا خبز ولا طعام. وفي أجواء استثنائية كهذه "الكهرباء هي الحياة" لكن الطرق المودية إلى "الدشور" تبقى مغلقة مثلما هو الحال ل "آث لاربعاء" التي كان السبيل الوحيد إليها مكسوا بالثلوج التي عادت لتتساقط وبغزارة فما كان منا سوى العودة سريعا إلى المأوى، لأن الطريق الذي تم فتحه قد يغلق مجددا. وهنا قال أحسن بتهكم "أنتم سكان العاصمة المستفيد الأول من هذه الثلوج التي تعزلنا فمياه سد تيزي وزو، ستحول إليكم أما نحن في بني يني مصدر مياهنا أماكن أخرى، نحن نعاني والفائدة تعود لكم". أصبح سمك الثلوج حوالي المتر وزاد القلق بعدها من الاستمرار على هذه الوضعية لأيام أخرى قد تطول. وهنا الكل يهاتف العائلة، الأصدقاء والأقارب حول الأوضاع في مناطق أخرى.. الأخبار لا تسر، الطريق مقطوعة بين بني يني والبويرة، الأربعاء ناث إيراثن وعين الحمام. كل المنافذ إلى المناطق الجبلية بتيزي وزو مقطوعة والأحوال ستسوء وقد تستمر لأسبوع آخر، هذا ما كان يتداوله الجميع. البعض مرتاح لأنه زود البيت بالمؤونة الضرورية لأوضاع كهذه والآخر قلق لانقطاع التيار الكهربائي ويفكر في كيفية العودة، لكن الوقت لم يحن بعد رغم انقضاء أيام الدوام لأن المستخلفين معزولون أيضا ولا يمكنهم الوصول إلى بني يني فوسائل النقل غير متوفرة لأن الناقلين لا يريدون المغامرة في أجواء كهذه تجنبا لأي حوادث قد تودي بحياتهم وبمن معهم. "الأوبرج"... المؤسسة الفندقية الوحيدة "آث يني" مرادف للفضة ولحرفييها الذين يلتقون في مهرجان سنوي في الصيف، وهي الفرصة الوحيدة التي تستفيد منها المنطقة من الإقبال الكبير للسواح من الجزائريين والأجانب. وسيكون مكان إقامتهم هو أوبرج "السوار الفضي" بدون شك، لأنه المؤسسة الفندقية الوحيدة الموجودة بالمنطقة التي ترتبط بالسياحة عند ذكرها، لكن لم يطور منها شيء في هذا المنحى. فالأوبرج تتوفر على 10 غرف فقط ومطعم وحانة وموقف للسيارات وحديقة. لكن الروح غائبة عنها شتاء، فالسياح على حد تعبير بعض الذين يشتغلون ب "السوار الفضي" لايغامرون كثيرا بالقدوم إليها في فصل البرد والثلج تفاديا لأي طارئ مثل سوء الأحوال الجوية التي تعزل المنطقة في أحيان كثيرة ليبقوا عالقين بها. فهذا العزوف يفسره موظفو المؤسسة بنقص في الإمكانيات وكذا الاعتماد الكلي على الكهرباء في كل شيء، فانقطاعها يعني حتما "فراغا رهيبا" فعوضا عن الاستمتاع سيكون هناك ندم على القدوم إلى آث يني. المنطقة جنة ربيعا وصيفا ينصح الذين تحدثنا إليهم بزيارة المنطقة في الربيع والصيف؛ إذ تكون هناك حركية كبيرة وإمكانية للتنقل بكل حرية لأنه لا تفكير في تقلبات جوية قد تجمد نشاطك. آث يني، المواجهة لجبال جرجرة الشاهقة ولقمة "لا لا خديجة" الحارسة الأمينة على كل مداشر بني يني السبع تجعلك تسرح بخيالك هنا وهناك. فعلى امتداد البصر تقابلك القمم ومعها غطاء غابي متنوع يستهوي الراغبين في الصيد الذي هو في الأساس هواية أغلبية قاطني بني يني. واحدة من القمم مرتبطة بأسطورة أولها ألف حكاية إنها قمة "يد اليهودي". تختلف الروايات حولها، لكن ارتباطها بيهودي متفق عليه. فكل من يستمتع بإظهار لك جمالية المكان يقول إن "الرسمي عنده" و "خذ عني حقيقة هذه القمة" التي تأخذ شاكلة اليد التي أبدع فيها الخالق ويستمتع بها الإنسان. هذه حكاية قمة يد اليهودي القمة تقع بقلب مرتفعات أكوكار، وسط جبال جرجرة، وارتفاع قمته يصل الى حوالي 1700 م، ورغم الاختلاف في روايات التسمية إلا أن المتداولة كثيرا تتمثل في كون الجبل على شكل يد مغلقة ترمز إلى البخل بالإضافة، إلى أن القمة تحمل رؤوسا حادة وهو رمز لحدة أصابع اليهود، لكن القصة التي اتفق حولها من تحدثنا إليهم أن هناك رجلا يهوديا استقر ب' 'آث يني'' في زمن بعيد، وامتهن صناعة الحلي الفضية وفي كل مرة يتوجه إلى هذه القمم التي يقضي بها ليال طويلة حتى أن هذا اليهودي توفي بذات الجبل ودفن هناك ومن ذلك اليوم ارتبطت القمة بهذه التسمية، حتى أن البعض أجزم أن جثة هذا الشخص لم تتحلل وبقيت الى يومنا هذا متجمدة في أعلى القمة ذات الشكل السداسي. السائح الأجنبي عملة نادرة أصبح السائح الأجنبي نادر التواجد بالمنطقة التي كانت تعرف في سنوات خلت قدوم أفواج سياحية لا تعد ولا تحصى .واليوم، حسب شهادة بعض السكان والعاملين في مجال الفندقة، أصبحوا يعدون على الأصابع وأغلبهم فرنسيين وألمان يتوافدون خلال عيد الحلي الفضية صيفا. فالألمان، حسب عز الدين، يعرفون ماذا يريدون، إنهم مولعون بالفضة كثيرا ويعرفون قيمتها لذلك يتهافتون على الحلي ويقتنون منها كثيرا حسبه لأنه حرفي في المجال وتعامل مع الكثيرين منهم، لكنه تساءل قائلا "منذ فترة طويلة وأنا أسمع ارتباط آث يني بالسياحة، لكن بربكم أين سيقيم هؤلاء عند قدومهم، الأوبرج الوحيدة لا تلبي الرغبات ولم أسمع أبدا عن مشاريع بالخصوص لترقية المنطقة". أوبرج "السوار الفضي" مؤسسة فندقية تابعة لمؤسسة السياحة بالقبائل "E.T.K" ، افتتحت عام 1973، تحت إدارة سيدة إسبانية، حسب ما أفادنا به بعض العاملين بها، وحتى هندستها المعمارية مستوحاة من العمارة الإسبانية، على حد قولهم، ليتسلم الإدارة بعدها نجل وزير المالية في عهد الاستقلال وتداول عليها فيها بعد العديد من المدراء الذين سيروها، كل واحد حسب مايراه مفيدا. لكن الكل اتفق على أن الأمور تدهورت في سنوات التسعينيات وبداية العشرية السوداء، حتى أنهم سردوا لنا قصة إقدام بعض الجماعات على حرقها، لكن يقظة قوات الدفاع الذاتي حالت دون خسارة هذا الصرح الفندقي الوحيد الذي يأوي كل راغب في زيارة "آث يني" عاصمة الفضة. كل الديكور من صنع أبناء آث يني ديكور الأوبرج، على بساطته وقدمه، من صنع أبناء المنطقة، على حد تعبير عون الاستقبال، الذي يشغل هذا المنصب منذ سنوات. لقد أكد معلومة ظنناها مغلوطة في بادئ الأمر وهي أن الديكور لم يتغير لأنه يحمل الأصالة والعراقة وتقاليد المنطقة. فالأثاث المنقوش المتواجد بالأوبرج صنعته أنامل أبناء بني يني المعروف عنهم ارتباطهم بهذه الحرفة على غرار صناعة الفضة، وكل شيء متقن لأن النقش على الخشب هو اختصاص المنطقة أيضا، لكن بكل أسف، يقول محدثنا، لم يعد هناك من يحترف هذه المهنة، فدار الحرف التي كانت تكون الشباب، أغلقت أبوابها منذ عشر سنوات وأصبحت هيكلا بدون روح، أما الذين تكونوا من قبل فقد أصبحوا يعملون لحسابهم الخاص وأكثرهم غادروا المنطقة وبالتالي يمكن القول إن هذا الاختصاص اندثر ولم يعد له أثر. وببهو الأوبرج، واجهة لعرض وبيع تذكرات المنطقة ليس آث يني تحديدا وإنما القبائل كاملة، لكن لمن تباع في غياب السياح؟ الديكور يشمل أيضا قطعا فخارية تسرد لنا تاريخا طويلا رغم أنها صماء. لكن ما يثير الانتباه هو هاتان اللوحتان من رسم فنان جزائري لم يذكر لنا اسمه، الأولى تظهر لنا الحياة التقليدية في بيت أصيل من بني يني والأخرى الهندسة المعمارية الأصيلة لبيوت المنطقة التي يبدو أننا نجدها في الرسم ولكن غائبة عن أرض الواقع .محدثنا قال بشيء من المرارة "عندما كان يزور المنطقة أمازيغ ليبيا، المغرب وحتى جزر الكناري كانوا يجدون قاسما مشتركا سواء في الأشكال أو في الألوان، واليوم مع الأسف لا هم يزورون المنطقة ولا نحن حافظنا على حرفنا مثلما يحدث في المغرب مثلا". اليوم وقفنا على غياب الأجانب الذين كانوا يعبئون المكان في وقت مضى. الحنين إلى أيام زمان قد يكون أقدمهم بالأوبرج شهد كل الفترات، فقد بدأ العمل عام 1975 كرئيس مطعم، إنه موموح الذي رغم مرور السنين إلا أنه مفعم بالحيوية والنشاط، تبادلنا أطراف الحديث حتى نبتعد قليلا عن حالة "الكآبة" التي صنعتها عزلتنا بسبب الثلوج، وغاص بنا في سنوات العز التي عرفتها المنطقة قائلا "أذكر جيدا كيف كان هذا المكان مليئا بالحركة ولا يكاد يخلو من الأفواج السياحية المتعاقبة، لقد كانت فعلا أفواج من سياح يعشقون الأسفار ويملكون ثقافة سياحية واسعة. أما اليوم فأنت تستمتع لخطواتك وفقط، حينما تعود بي الذكريات الى الوراء أفضل الخروج والسير قليلا لأن ذلك يؤثر فيّ، لا يمكنني مقارنة الأمور بتاتا..". واستطرد "الأمور تدهورت منذ بداية التسعينيات حين بدأنا نفتقد لكل شيء جميل، بدأ المكان يفرغ إلا من بعض شباب المنطقة الذي لم يكن في أيام العز يجرؤ على دخولها، واليوم كما ترون نحن على هذه الحال، في انتظار تطوير المكان لأن هناك حديثا عن تهيئة وتوسيع الأوبرج وترقية تصنيفها أيضا، قد يكون ذلك الصيف القادم، ربما .. نحن ننتظر". "تاجماعت"، "ثالا" والمسجد العثماني مرة أخرى كنا نرغب في زيارة ميدانية للقرى السبع المشكلة لآث يني، لكن الثلج داهمنا وتمكنا ليلة العاصفة من القيام بجولة خاطفة لآث لحسن التي تضم أكبر كثافة سكانية ببلدية بني يني ومررنا على آث الأربعاء التي تضم بين ثناياها مدرسة الأخوات البيض أين تعلمت جل فتيات المنطقة حينها والتي أصبحت الآن بناية مهجورة تدرك ذلك من خلال الزجاج المكسور والأبواب الموصدة. شاهدنا بذات المنطقة "ثاجماعت" أين كان يجتمع بها حكماء الدشرة والتي قال لنا بشأنها موموح الذي يبدو ملما بالكثير من الأمور، أنه لولا ترميمها لأصبحت آثارا هي الأخرى. بحثنا عن البيوت القديمة، لم نجد لها أثرا أيضا ربما لأن الزيارة كانت خاطفة، لكن من تحدثنا إليهم قالوا إن أصحابها هجروها نحو المدينة وبالتالي تدهورت إلى أن آلت أكثرها إلى السقوط، لكن ببعض المناطق لازالت متواجدة على قلتها مثل تاوريت نلحجاج. أما الينابيع أو "ثالا"، فقال موموح إن أغلبها أغلق لاختلاط مياهها بمياه التطهير وهناك البعض منها باقيا، لكن غير مستعمل مثلما كان عليه في الماضي. الثلوج منعتنا من زيارة مسجد قيل لنا إنه يعود للعهد العثماني وتم ترميمه ليبقى يرفع فيه الآذان وتقام فيه الصلاة. وحتى مؤسسة "مولود معمري" المتاخمة للمقبرة التي دفن بها ويوجد بها التمثال المخلد له كانت موصدة بفعل الثلوج المتراكمة. بعد كل هذا عدنا لتقصي الوضع، توقفت الثلوج عن التساقط يوم الاثنين 6 فيفري في منتصف النهار وأطلت الشمس، لكن أشعتها كانت باهتة. أحسن، رزاق وحميد كانوا يزيحون الثلوج لإنجاز ممر جديد والتمكن من الخروج للطريق البلدي بوسائلهم التقليدية وتمكنوا بإرادتهم من ذلك. لقد كان هذا الطريق مكتوبا لي للعودة إلى العاصمة، لقد وفر لي صديق من أبناء المنطقة "تاكسي" قدم من تيزي وزو، في غياب وسائل النقل بالمنطقة، لملمت نفسي وأسرعت الخطى لاجتياز الثلوج المتراكمة عند مخرج "الأوبرج" وقبلها ودعت الجميع الذين تقاسمت معهم "عزلتي المؤقتة" وفرحت لظهور أشعة الشمس متلألئة، لكن موموح، قال إنها "ضحكة الثلج" وستعود العاصفة مجددا. وما قاله موموح صدق، غادرت وفي أول اتصال بالمنطقة قيل إن الثلوج عادت للتساقط في ذات الأمسية ولازالت متواصلة إلى اليوم، نتمناها سلاما على الجميع والعودة ل "آث يني" ستكون ربيعا أو صيفا إن شاء الله.