عندما سلكنا الطريق الولائي 27 إلى مرتفعات ''السراوات''، في ثالث يوم من العاصفة الثلجية التي اجتاحت فالمة، لم نكن نتصوّر بأننا سنقضي يوما كاملا في إنجاز هذا ''الروبورتاج''. فبمجرّد وصولنا إلى منطقة''لمروج''، أشار علينا أحد الرّعاة بأخذ الحذر من اهتراء الطريق، ليبدأ الصراع مع الحفر بانعراجنا جهة ''مشتة عين التويفزة''. بعين التويفزة التابعة لبلدية بوحمدان، شاهدنا قطيعا من الأبقار يلتهم ما قدم له من كلأ وعشب، في حين فضل صاحبه الإبقاء على رؤوس الأغنام والماعز داخل الزريبة، على اعتبار أنها لا تقاوم ويخاف من أن تهلك من شدة البرد. بهذه العبارات، حدثنا السيد ''ح. محمد''. واصلنا الطريق على مسافة نصف كيلومتر، لنجد قرويا آخر أمام أكوام من علف الدواجن. تحمّلنا موجة البرد القارس وأسناننا تصطك وفرائسنا ترتعد وتقدمنا لمحادثته، أخبرنا الشاب الذي يرتدي ''قشابية'' بأنّه ينتظر استئجار جرّار لشحن كمية علف يعود به إلى مشتته البعيدة، من دون جدوى، كما نصحنا بعدم المغامرة بالتنقل بواسطة السيارة عبر ربوة خطيرة تفصلنا عن منزل الشهيد البطل دحمون الطاهر، غير أننا صمّمنا على المغامرة.الثلوج تخرج العائلات إلى الشارع عند الربوة الخطيرة، اضطررنا للتوقف، حيث فوجئنا بعشرات الوافدين من المدن المجاورة وحتى من وسط مدينة فالمة، ومن مختلف الأعمار، من أجل الاستمتاع بهذا البساط الأبيض الذي رسم صورة تسحر العيون رغم موجة البرد القارس. وفي لحظات التحادث مع بعضهم، داهمت المكان عاصفة رياح محمّلة برذاذ ثلجي بارد جدّا.. لقد كان غضب الطبيعة في تلك اللحظة شديدا، ومعه بدأ تساقط نتاف الثلج من جديد. لنغيّر وجهتنا إلى جبل مرمورة، بعد استحالة مرورنا إلى منطقة ''بوغدير'' والأخريات.سكان يشكون الحاجة لغاز البوتان على جنبات الطريق، كانت الأكوام المكتسحة من الثلوج مكدسة ''لقد تدخل بتسريح الطريق، لكننا بحاجة إلى الغاز''. بهذا استقبلنا شاب عشريني من قرية مرمورة، الذي ساعدنا على ركن سيارتنا وحذرنا من منحدر خطير.. الشاب وبعض زملائه حدثونا عن معاناتهم مع قارورات غاز البوتان، حيث يناهز سعرها 300 دج أحيانا، فهم يحلمون بربط البلدية بغاز المدينة، وإعادة تأهيل الطريق الذي سجّل لفائدته عملية.. كانت أغصان الأشجار من كثرة تراكم الثلوج تتهاوى، وكانت أسقف بيوت التجمع السكني بيضاء، لا يبرز منها إلا جدران الحجارة أو الطوب، غير أنّ العاصفة الثلجية رسمت صورة للجمال بالخارج، وأخرى للمعاناة بداخل تلك البيوت.خوف من استمرار العاصفة وفقنا في معاودة المرور إلى منطقة ''بوغدير'' مساء، بمساعدة أحد سكان المنطقة، ووقفنا على بعض شهادات عائدين من منطقتي ''الملعب'' و''العين الحمراء''، الذين تحدثوا إلينا بمرارة عن محاصرة الثلوج لعشرات العائلات المعزولة عن العالم تماما. فجبل ''لفرار'' ومسلك ''غار الجماعة'' ومشاتي النشم وغيرها غمرت بالثلوج. وما هي إلا لحظات حتى عاودت الثلوج تساقطها بكثافة، لينصحنا مرافقونا بالعودة خشية انسداد الطريق من جديد في مقتبل ليلة لا ترحم، حسبهم.