لقد تأسست جامعة الدول العربية للم شمل الدول العربية مشرقها ومغربها وتقريب وجهات النظر في ما بين دولها في القضايا التي تطرح على الساحة الإقليمية والدولية وفتح المجال للتعاون فما بين شعوبها وتصدرت "مصر" قيادة "القاطرة" أيام "عبد الناصر" ثم لاحقا شاركتها كل من "الجزائر والسعودية" خلال السبعينيات من القرن الماضي وكانت زيارة "السادات للكيان الصهيوني" سببا في إخراج الجامعة العربية من مصر وبالتالي خروج "مصر السادات" عن الإجماع العربي ثم عادت "الجامعة العربية" إلى مصر في عهد "حسني مبارك" هذا الأخير الذي كانت له الريادة والأسبقية في قيادة قاطرة جامعة العربية إلى احتلال العراق في من طرف "أمريكا" بدعم كامل من طرف أنظمة الجزيرة العربية. هذه الأنظمة التي فتحت مجالاتها الجوية والأرضية والبحرية لأمريكا وحلفائها الغربيين وبذلك أصبحت منطقة الشرق الأوسط قاطبة تحت الوصاية "الأنجلو-سكسونية" وبالمقابل - وعن طريق المملكة المغربية - أصبحت منطقة المغرب العربي تحت وصاية فرنسا الفرانكفونية وهكذا أصبحت جامعة الدول العربية جسدا بدون روح وشكلا بلا مضمون واضح. وتسللت إيران لهذا الجسد وأخذت ما تيسر منه مبدئيا ودخلت كل منه العراق وسوريا ولبنان تحت العباءة الإيرانية هذه الأخيرة التي تحاول أن تفرض نفسها كقوة إقليمية مهيمنة بفضل أتباعها من "الشيعة" على حساب المذهب السني الذي يحاول الاحتماء "بتركيا" السنية، ولو في أضيق الحالات (سوريا ولبنان)، وما إن بدأت بوادر "خريف" بعض الأنظمة العربية حتى اتضحت نوايا البعض الآخر وأعلنت عن نواياها الحقيقية في التعامل مع منظمة الجامعة العربية دولا وشعوبا، وهكذا تكتلت "قبائل الأنظمة الخليجية" وجذبت إليها النظام المغربي والنظام الأردني لاعتبارات قبلية عشائرية باعتبار أن كلا النظامين جذورهما عربية من نفس الجذور الخليجية أي من قبائل الجزيرة العربية ما قبل الإسلام، وبهذه النظرة أصبح الخليجيون "بعثيون عرقيون" اخطر من بعثيي القرن الماضي وأكثر عنصرية وإقصائية على باقي الشعوب المنضوية تحت خيمة الجامعة العربية وما موقف الجامعة العربية من مأساة سوريا إلا دليلا على ما قلناه باعتبار أن الخليجيين اتخذوا قرارهم وبالإجماع قبل اجتماع وزراء خارجية باقي الدول العربية وهم الآن يجرون قاطرة جامعة الدول العربية إلى المجهول لا لشيء إلا لأن باقي أعضاء جامعة الدول العربية لا تنتمي شعوبهم إلى قبائل الجزيرة العربية باعتبارها قبائل وشعوب ليست عربية الأصل بل عربها الإسلام فقط ويستوجب عليها ترك الريادة و"الإمامة السياسية" لقبائل وعشائر الجزيرة العربية وكأننا نعيش عصر قريش الجاهلي من جديد. هذه بعض التعريجات السريعة والتي أرادت من ورائها أن أدق ناقوس الخطر على مسمع ومرأى من شعوب الشمال الإفريقي والمعروف الآن بالمغرب العربي خاصة بعد أن لاحت بعض بوارق الانفراج بين أنظمتها مؤخرا للوصول إلى اجتماع قمة مغاربية في تونس لاحقا. لقد حان الأوان لشعوب الشمال الإفريقي التخلص من التقزيم العروبي والتبعية العمياء لشعارات الجامعة العربية البراقة والتي أثبت التاريخ والتجربة أنها مسمومة وهلامية الأهداف والغايات والعودة من جديد إلى إحياء فلسفة وأدبيات "نجم شمال إفريقيا" والالتفاف حول شعار "يوغرطا" القائل بأن "إفريقيا للأفارقة" وهو الشعار الذي رفع في شمال إفريقيا قبل ميلاد المسيح أيام "المملكة النوميدية" التي كانت تشمل المجال الجغرافي من جبل طارق إلى خليج سرت ثم المحيط الأطلسي فالبحر الأبيض المتوسط وهو المجال الجغرافي الذي يشمل اليوم شعوب شمال إفريقيا (المغرب العربي حاليا). قد يتفاجأ البعض مما أقوله ولكن الجواب على ذلك أن لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، وأنه "واحدة بواحدة والبادئ أظلم" وبالتالي فإن موقف "الخليجيين" يستوجب هنا موقفا صارما من شعوب "الشمال الإفريقي" والالتفات إلى مصالحنا دون أن نتخلى عن إسلامنا أو عن العربية كلغة قرآن وخارج ذلك يمكننا أن نتفاعل ونتعامل مع الأحداث الإقليمية والجهوية والعالمية بما يخدم مصالح شعوبنا وعلى أنظمة الشمال الإفريقي (المغرب العربي) التنازل لبعضها البعض مرحليا بما يسهل عودة الدفء للعلاقات المغاربية قبل فوات الأوان خاصة إذا علمنا أن بعض "دول الخليج" تحاول الهيمنة على كل من ليبيا وتونس باسم المساعدة للخروج من مخلفات "الثورتين الشعبيتين" لكل من ليبيا وتونس وهذا في غياب باقي أنظمة الشمال الإفريقي (المغرب العربي) وعدم اكتراثها لما يحدث في كل من ليبيا وتونس. وهنا أسمح لنفسي بأن "أحمل الجزائر" المسؤولية باعتبارها الدولة المحورية في المنطقة بما لها من إمكانيات مادية وبشرية وبالتالي يستوجب عليها احتواء "الأزمة" ولملمة جراح الأشقاء في كل من "تونس وليبيا" على الأقل من باب رد الجميل للشعبين الشقيقين واللذين كانا حاضنة الثورة الجزائرية المباركة ناهيكم عن الأصول النوميدية للشقيقين زمن "المملكة النوميدية" أيام كان الخليجيون يهيمون في صحراء الجزيرة العربية قبائل وعشائر متناحرة متقاتلة يعبدون الأصنام ويعيشيون تحت ظل "الفرس والروم". إن ما أريد الوصول إليه هو وجوب العمل على إزالة العوائق بين شعوب الشمال الإفريقي الذي لا يتم إلا ببعض التنازلات من بعض التنظيمات المغاربية ولو مرحليا وأكبر تنازل يجب تقديمه كقربان للبناء المغربي هو قبول الإخوة الأشقاء بالصحراء الغربية بفكرة "الحكم الذاتي الموسع" في إطار كنفدرالي مع المملكة المغربية لمدة خمس أو عشر سنوات بضمانات دولية وبعدها يمكن الذهاب إلى استفتاء تقرير المصير وبهذه التضحية من "شعب الصحراء الغربية" يمكن سحب البساط من تحت جماعة الجزيرة العربية وإنقاذ الأشقاء "في المغرب" من الهيمنة الخليجية والفرنسية وإعادة الشعب المغربي الشقيق إلى الحاضنة النوميدية الشمال إفريقية والدفع بالبناء المغاربي قدما إلى الأمام في إطار مغرب الشعوب التي تدين بدين واحد وتتكلم لغة واحدة وذات انتماء حضاري وتاريخي واحد وجغرافية واحدة ومصير مشترك واحد، على أن يتم تغيير اسم المغرب العروبي إلى "كتلة الشمال الإفريقي" مع المحافظة على الانتماء الحضاري العربي الإسلامي والتعامل مع "الجامعة العربية" على هذا الأساس أسوة بما تتعامل به جماعة الخليج مع المغربيين وقضاياهم، وبهذا فقط يمكن للشعوب المغاربية أن تتخلص من الشوائب والتراكمات ويمكن لأنظمتها أن تلتقي "بتونس" في قمتها المنتظرة وهي حرة متحررة وتصنع مستقبل شعوبها في إطار "توافقي" وتتحرر الشعوب ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وتاريخيا وبالمقابل تتحرر الأنظمة سياسيا، وهذه التطلعات والأهداف لا يمكنها أن تجد صداها إلا إذا تقبلتها أحزاب المنطقة وتنظيماتها المدنية ونخبها الثقافية وتبنتها كل وسائل إعلام المنطقة المغاربية والعمل على ترويجها بكل مصداقية وشجاعة في إطار الانبعاث المغاربي الشمال الإفريقي النوميدي الإسلامي المعرّب.