صممت الكثير من الفتيات من مختلف ولايات الوطن على تحقيق النجاح بعيدا عن عائلاتهن والانتقال من ولاية إلى أخرى من أجل العمل أو الدراسة. وفي مواجهة جشع أصحاب البيوت وقساوة ظروف العيش بعيدا عن العائلة، تضطر هذه الفتيات إلى تحمل نظرة مجحفة من مجتمع يرفض استقلالية المرأة. تضطّر بعض الفتيات أحيانا إلى العمل بعيدا عن بيوتهم، بل في ولايات أخرى كذلك، ما يجعل العودة مساء صعبا أو مرهقا جدا، بل مستحيلا أحيانا، ولا يكون الحل إلا في استئجار شقة أو غرفة، وعادة ما يكون ذلك مشتركا بين الزميلات أو الصديقات. ومن أجل الخوض في غمار هذه الموضوع ارتأت “الفجر” التقرب ممن يعشن هذه الظروف. أسعار “خمس نجوم” مقابل غرف وخدمات رديئة اصطدمت الكثير من الوافدات على العاصمة من أجل العمل والاستقرار بالمبالغ الخيالية التي يطلبها أصحاب المنازل لقاء الحصول على غرفة أو حتى فراش داخل غرفة، مستغلين بذلك الحاجة الماسة للفتيات في الحصول على مكان يأويهن، من بينهم فاطمة، 24 سنة، التي تعمل صحفية، والتي قدمت من ولاية وهران من أجل العمل، تروي أنها ذاقت الأمرّين حتى تمكنت من الحصول على مكان يؤويها، وبعد سلسلة من البحث والاستطلاع وجدت مكانا لها في غرفة داخل بيت في العاصمة، هذه الغرفة التي تضم ثلاث فتيات كلفت الواحدة منهن 8000 دج، مع أنها، تضيف فاطمة، في بيت قديم ولا يتوفر على أي شروط للراحة، حتى أن صاحبة المنزل تفرض عليهن الدخول في وقت معين، بل ورفضت إعطاءها نسخة عن مفتاح باب المنزل. لا تختلف تفاصيل القصة مع سليمة، التي تدفع 10000 دج لقاء حصولها على غرفة في بيت عائلة تفرض عليها حظر التجول، كما أن دخول الحمام والمطبخ بأوقات، ناهيك عن كون هذا المنزل في حي شعبي بالحراش.. الإيجار بالمشاركة حل مناسب ولكن.. لأنهن لا يستطعن دفع أجرة شقة بالعاصمة مع الارتفاع الفاحش للأسعار، فإن الكثير من الفتيات يبحثن عمن يشاركهن في دفع تكاليف الإيجار، والذي عادة ما يكون باهظا خاصة في المدن الكبرى، على غرار العاصمة. لهذا فإنك تجد جماعات من الفتيات، بل وأصدقاء كذلك قدموا للعمل سويا، يكترون شققا وغرفا، ويتشاركون في كل شيء، في دفع ثمن الإيجار والطهي والأثاث، وكل ما يلزمهمن لحياة عادية. وفي هذا السياق، تحكي لنا سليمة عن مجيئها إلى العاصمة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وعن قرارها بالاستقرار، لأنها وجدت فيها العمل والرزق الذي لم تعثر عليهما في بلدتها بولاية المدية، وكانت البداية صعبة بالنسبة لها، خاصة أنها كانت تدفع الإيجار لوحدها، لكن بعد أن تعرفت بمجموعة من الصديقات، واللاتي قدمن مثلها إلى الجزائر بغرض العمل. اتفقن على أن يشتركن في كل شيء، وفي هذا الإطار، تقول سليمة: “لقد اتحدت أنا وأربعة من الصديقات في كل شيء، ورغم أننا لا نعمل معا، إلاّ أننا اتفقنا على أن نشترك في دفع إيجار البيت الذي كنت استأجرته، وذلك بعدما دعوتهن مرة للإقامة عندي، ولم تكن لي نية في أن افرض عليهن أن يدفعن شيئا، لكنهن اقترحن علي الفكرة فسعدت بها”. لكن مثل هذه التجارب لا تكون ناجحة دائما، فالبعض فشل في أن يجد الأشخاص الذين يتفق معهم، والذين يمكن أن يشكل معهم ما يشبه الأسرة، خاصة أنه سيضطر إلى أن يتقاسم معهم كل شيء، مثل سارة، التي قالت في الموضوع: “استأجرت مع بعض الزميلات شقة لمدة سنة، لكن لم يمض شهر واحد حتى بدأت المشاكل بيننا، وصرنا لا نتفق على أمر من أمور البيت، بل صرنا نتشاجر أحيانا، ثم افترقنا في كل شيء، في الأكل والأواني وحتى الإيجار اختلفنا حوله، بحجة أن بعضنا ينام في غرفة أكبر من الأخرى، حتى اتخذت قرارا أن أترك كل شيء وأعود إلى بيتي، فلم يكن بالإمكان أن أواصل كذلك، ولا أن أستأجر شقة أخرى لوحدي، ولا أن أبحث عن أشخاص آخرين، لأنني صرت أؤمن بمبدأ “الشركة هلكة”. نظرات ظالمة من مجتمع يرفض “المرأة المستقلة” من جهة أخرى بعض الفتيات اللواتي جئن من ولايات داخلية ويعملن في العاصمة، فعلن ذلك، استأجرن شقة أو منزل وبقين فيه، رغم أنّ المجتمع لا يرحم، ولا يتقبل أن تسكن المرأة لوحدها، أو حتى مع صديقات لها في شقة دون وجود رجل إلى جانبهن، لكن للضرورة أحكام، وهو الأمر الذي تؤكده لنا نوارة، 31 سنة، التي قدمت إلى العاصمة لتحظى بفرصة عمل لم يكن بالإمكان أن تجد مثلها في بلدتها، ولكي تستقر كان لزاما عليها إما أن ترتبط وتتزوج أو أن تجد من تقاسمها الشقة التي تستأجرها، وكانت تظن ذلك صعبا، لكنها اكتشفت مع الوقت أن الكثير من الفتيات مثلها يعملن ولا يجدن أماكن يقضين فيها لياليهن. وعلى الرغم من ذلك إلا أنها اضطرت لمقاطعة إخوتها الذين رفضوا فكرة سكنها لوحدها وإقامتها في العاصمة، مع العلم أنها من ولاية سطيف تقول: “دفعتني ظروف قاهرة إلى أن أغادر قريتي، وعندما قدمت إلى العاصمة كنت أخشى أن أستأجر بيتا وأبقى فيه لوحدي، ولكنني مع الوقت اكتشفت أنني لست وحدي، فالكثير من الفتيات الشريفات يبحثن هن كذلك عن مأوى لهن، ومنهن زميلات لي في العمل، عرفنني بدورهن على فتيات يقاسمننا نفس المأساة، فاتفقنا على أن نشترك في السكن”، لكنها واجهت في الكثير من الأحيان نظرات قاسية من مجتمع لا يتقبل استقلالية المرأة، خاصة في بعض الأحياء الشعبية. وفي نفس السياق تقول زميلتها لطيفة:”نضطر يوميا لسماع كلمات جارحة من أبناء الجيران، لكننا تعودنا على الأمر”. الإيواء عند العائلة.. معاناة أخرى من جهة أخرى, بعض الفتيات تعشن مرارة من نوع آخر في ضيافة عائلاتهن بالعاصمة, التي تستغل هذه الظروف من أجل جعلهن يدفعن أجرة أمرّ من المال لقاء هذا الإيواء.. هو ما روته على مسامعنا إيمان, التي جاءت من ولاية بسكرة للعمل في مجال القانون, بعد أن حصلت على شهادة الكفاءة المهنية في المحاماة, وبعد أن آوتها عائلة أقربائها, وجدت نفسها تعمل عملا منزليا كخادمة بعدما أوكلت إليها سيدة المنزل بصفة تدريجية الكثير من الأعمال المنزلية. فبعدما جاءت إلى العاصمة من أجل الراحة والاستقرار وجدت نفسها أمام أعباء إضافية وذل من نوع آخر.. هو حال الكثيرات ممن هربن من "الكرايين" ليجدن أنفسهن في أحضان عائلات "ظالمة" وانتهازية زادتهن معاناة على معاناتهن.