تأخر عبد السلام وحربي عن تلبية نداء الجبهة "سقراط" في قفص الاتهام.. وقائمة الإعدام نقدم في هذه الحلقة نموذجا عن "ندوات مقهى البهجة"، وهي عبارة عن ندوات سياسية تاريخية تعقد كل جمعة تقريبا. في هذا النموذج حديث ل: 1 - أحمد (الكابا) حدانو الذي تناول موضوعين هامين: الصراع بين جبهة التحرير والحركة المصالية بفرنسا، التعذيب غداة الاستقلال، مع الإشارة إلى حالة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي بالذات. 2 - الدكتور مقران الذي تناول خاصة الاتصالات الأولى التي أجرتها اتحادية جبهة التحرير الوطني بفرنسا بالطلبة الجزائريين بواسطة الطالب الشهيد محمد العربي ماضي. 3 - الطيب الثعالبي الذي ذكر معلومات هامة حول الشهيدين زيغود وبن مهيدي، والشيخين بوزوزو ومحفوظي. 4 - بلقاسم الشريف الذي يحدثنا عن علاقة "مجموعة وجدة" بالرئيس بن بلة: كيف تحول التحالف غير الطبيعي إلى تنافر سريع، انتهى بانقلاب 19 يونيو 1965. 1 - "ندوات" مقهى "البهجة" الجبهة والحركة بفرنسا.. "حوار" الكلم.. والدم تعود بعض قدماء المناضلين في الحركة الوطنية، على الالتقاء صبيحة الجمعة بمقهى "البهجة" في شارع بلوزداد (العاصمة)، لصاحبه أحمد (الكابا). وكنت ألتحق بهم من حين لآخر لأستمع وأسجل - أحيانا - بعض ما يدور في هذه الندوات السياسية والتاريخية العفوية المفتوحة. ونقدم فيما يلي نموذجا عن هذه الندوات، من خلال جلسة 25 مارس 2011 التي حضرها أحمد "الكابا" والطيب الثعالبي والدكتور مقران ومصطفى حمرون (مساعد المناضل محمد هني المدعو داقي). - أولا: المصالحة.. والصدام أثار أحمد حدانو موضوع العلاقة بالمصاليين في فرنسا، وما حدث من صدامات، ومحاولات وقف الاقتتال بين الأشقاء بدون جدوى. ذكر في هذا الصدد أن الحركة المصالية في بداية الثورة حكمت بإعدام المناضل المثقف عبد المالك بن حبيلس (المكنى سقراط)، لأنه وصف "الزعيم" (مصالي) ب"البالون الهش". وذات ليلة تربص المحكوم عليه ب"الكابا" ورفيقه، ليخبرهما بالمصير الذي ينتظره، فسارع "الكابا" بالتدخل لدى عبد الله فيلالي (من قادة الحركة المصالية) الذي أوقف تنفيذ الحكم قائلا: "ليمسك صاحبك لسانه بعد الآن!". كان "الكابا" قد عمل في السابق مع فيلالي (وأحمد جلول) في الطباعة السرية لأدبيات حزب الشعب الجزائري.. وحافظ على هذه العلاقة بعد إعلان الثورة، رغم الخلافات الحادة بين الجبهة والحركة. وقد استمر ذلك حتى عشية تصفية فيلالي في أكتوبر 1957. وفي صائفة هذه السنة قام رفقة زين العابدين مومجي بمحاولة تصالح، قادها عن المصاليين فيلالي شخصيا، ومعه الشيخان محمود بوزوزو ومحمد محفوظي. وقد اشترط ممثلا جبهة التحرير (بفرنسا) إقناع مصالي بالالتحاق بتونس، وكان فيلالي ورفاقه يتوقعون صعوبة هذه المهمة.. لكن بعد أيام تلقى "الكابا" ومومجي من عمر بوداود رئيس اتحادية الجبهة الجديد، أمرا بالكف عن تلك المساعي فورا.. وفي سبتمبر الموالي أقدمت عناصر الاتحادية على إعدام قيادي في النقابة المصالية، فقررت "الحركة الوطنية" الثأر له من مومجي. ولم يتردد فيلالي في تنبيه "الكابا" ورفيقه بذلك. وقام "الكابا" من جهته بتنبيهه أيضا أياما قليلة قبل تصفيته، عندما صارحه بقطع العلاقة القائمة بينهما، تجنبا للشبهات، وما يمكن أن ينجر عنها.. وفي نفس الموضوع تدخل كل من حمرون والثعالبي، فأضاف الأول أن المناضل داقي كان على صلة بفيلالي في باريس، وأن اتحادية جبهة التحرير هناك لم تتحرج من استغلال هذه العلاقة للإيقاع به. علما أن فيلالي كان بمثابة الساعد الأيمن للحاج مصالي. وتتعلق إضافة الثعالبي بالشيخين بوزوزو ومحفوظي اللذين كلف من عبان في بداية الثورة، بدعوتهما إلى الالتحاق بالوفد الخارجي لجبهة التحرير. وحسب الشاهد أن محفوظي اعتذر بأنه على أهبة الزواج، بينما وضع بوزوزو شرطا تعجيزيا: أن تلحق به الجبهة مكتبته (الضخمة)! واستطرد الثعالبي في الحديث عن هذا الأخير قائلا إنه أنقذه بالمغرب من موت محقق، فقد نزل بالرباط داعيا للحركة المصالية، فصادفه ذات يوم بفندق برج الحسن.. لكنه تعمد التأخر في التبليغ عنه، خشية أن يلقى مصير سابقيه: العربي أولبصير ومحمد الصغير بالبڤرة (1) وعاد بوزوزو إلى المغرب فاعتقل هذه المرة (طالع شهادة منصور بوداود، "الفجر".. فبراير الماضي). ويضيف "الكابا" أنه عندما احتدم الصراع بفرنسا، رفض شخصيا أمرا بإعدام الشيخ المناضل عوسات الذي كان يدير نادي الحزب (سابقا) ب 115 شارع سان ميشال، ورفع الأمر إلى بوداود رئيس الاتحادية، فاستدعاه مستفسرا.. فلفت انتباهه إلى خطأ تصفية مثل هذه الرموز، علما أن الشيخ عوسات من بقايا نجم شمال إفريقيا. 2 - التعذيب غداة الاستقلال أثار "الكابا" موضوع التعذيب غداة الاستقلال، وكان يومئذ في جهاز مراقبة الشرطة برئاسة الجمهورية. فقد اتصل به فضيل بن سالم (2) عقب اعتقال الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في يوليو 1964، منبها باحتمال تعرضه للتعذيب، وما يمكن أن ينجر عن ذلك، علما أن الرجل ضعيف البنية. تدخل الشاهد لدى الرئيس بن بلة شخصيا، فكلف مصطفى فتال بمتابعة الموضوع. غير أن ذلك لم يمنع حمداش ورجاله (بدار النخلة) من تعذيب الإبراهيمي معنويا، بل ماديا بواسطة السجائر الحارقة. وغداة انقلاب 19 يونيو 1965 لقي حمداش جزاءه، بحبسه في عنابة نحو أربع سنوات. غير أن وزير الفلاحة العربي الطيبي (3) رد له نوعا من الاعتبار عقب الإفراج عنه، إذ استعان به في مسائل أمنية تخص قطاعه. وتدخل الثUالبي لإثراء موضوع حمداش قائلا إن مخابرات الجيش كانت أيضا تتابع مناكره، بتسجيل شهادات ضحاياه.. حدث ذلك مثلا مع أحد مساعديه بتونس (4) يدعى دادة، فبمجرد الخروج من حصة التعذيب، تلقفته المخابرات واستمعت لشهاداته. - ثانيا: الدكتور مقران تناول الدكتور مقران (5) بالمناسبة المواضيع التالية: 1 - الاتصالات الأولى بالطلبة في فرنسا يقول الشاهد في هذا الصدد إن الطالب (الشهيد) محمد العربي ماضي كان على صلة بمراد ديدوش في صائفة 1954 وهو الذي كان السبب في تجنيد الرعيل الأول من الطلبة غداة اندلاع الثورة. ففي يناير 1955 اجتمع مراد طربوش بعدد من الطلبة، بعد أن كلفه محمد بوضياف بتأسيس اتحادية جبهة التحرير بفرنسا. وحسب الشاهد أنه كان من بين الذين عبروا عن استعدادهم للالتحاق بالتنظيم الجديد، بينما كان من بين المتحفظين بلعيد عبد السلام ومحمد حربي: تعلل الأول ب"التسرع في إعلان الثورة (6)، بينما برر الثاني موقفه ب"غياب استراتيجية". 2 - مع عميروش في تونس يقول الشاهد: دخلت تونس في ربيع 1957 وكدت أرافق الرائد عميروش في عودته إلى الولاية الثالثة. وقد أثناني عن ذلك في آخر لحظة مقران شقيق حسين آيت أحمد. 3 - الاتصال "بالزعماء الخمسة" كلفت بمهمة اتصال بالقادة المختطفين المحبوسين في سجن "لاصنتي" (باريس)، وموهت ذلك بعلاقة قرابة مع آيت أحمد. وتمكنت فعلا من مقابلة هذا الأخير، أسوة بخيضر والأشرف، بينما رفض بوضياف استقبالي. وعلم خيضر بالمناسبة أنني متوجه إلى تونس، فطلب مني مرافقة والدته التي جاءت لزيارته. هوامش (1) كلاهما من قادة الحركة المصالية، وقد حلاّ بالمغرب في إطار الدعوة إلى الحركة وتنظيم أنصارها، فكانت مصالح جبهة التحرير لهما بالمرصاد في تيطوان. (2) من مسؤولي اتحادية الجبهة بفرنسا ثم بالمغرب بعد فراره من سجن "فران" خريف 1961. (3) شغل الطيبي في عهد بن بلة منصبه. (4) كان الثعالبي مسؤول اتحادية الجبهة بتونس. (5) من مسؤولي الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين (6) كان عبد السلام عضوا في اللجنة المركزية لحركة الانتصار (منذ ربيع 1953). 2 - بلقاسم الشريف: فشل بن بلة.. في إبعادنا عن بومدين استقبلني بلقاسم الشريف (*) - من أقطاب "جماعة وجدة" - بمنزله (المرادية) يوم الأحد 26 يونيو 1988. وتناول الحديث الدورة الطارئة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، المنعقدة بطرابلس ما بين 27 مايو و6 يونيو 1962، فأكد رفيق العقيد هواري بومدين آنذاك، أن الدورة كانت على وشك تزكية حل وسط حول المكتب السياسي، على أساس التشكيلة التالية: - "الزعماء الخمسة" و"الباءات الثلاثة"، (1) - بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة، - السعيد محمدي والحاج بن علا. غير أن أحمد بن بلة - النائب الثاني لرئيس الحكومة المؤقتة - نسف هذا التوافق لاعتقاده أن بأصوات الولاية الأولى (3 أصوات) يمكن أن يمرر اقتراحه تشكيلة سباعية، لا تتسع لا "للباءات الثلاثة" ولا لبن خدة. كان مكتب الدورة قد رفض - في بداية الأشغال - أن يصوت العقيد الطاهر الزبيري نيابة عن مساعديه بدون توكيل منهم، فقام - أثناء الأشغال - بطلب هذه الوكالة، وتمكن من الحصول عليها بواسطة برقية خاصة. وفي جلسة 5 يونيو بدا للزبيري أن ينبه مكتب الدورة بوصول برقية التوكيل، لكن رئيس الجلسة (محمد الصديق بن يحيى؟) تجاهله، لتمرير الحل الوسط المتفق عليه. فقام بن بلة يدافع عن حق الزبيري في الكلام، فذكره بن بلة بما تم الاتفاق عليه. كان تدخل بن بلة نقطة تحول في مجرى الدورة التي انتهت بتفرق أعضاء مجلس الثورة، دون التوصل إلى اتفاق. بن بلة و"جماعة وجدة" - عند اشتداد الأزمة بين الحكومة المؤقتة وأنصار بن بلة، ضرب هذا الأخير موعدا للعقيد بومدين قائد أركان الجيش بتونس في 28 يونيو؟ فلما جاء إلى الموعد لم يجد له أثرا، لأنه كان قد طار إلى طرابلس ثم إلى القاهرة. - كنا معجبين ببن بلة، قبل أن نعرفه على حقيقته، فلما عرفناه سقط في نظرنا إلى الحضيض. - استهدف الرئيس بن بلة النيل من بومدين (وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء) منذ البداية، فحاول إبعاد أنصاره في الحكم عنه الواحد تلو الآخر. فلما فشل في ذلك، أخذ يستعمل القوة لإجبارنا على الاستقالة وهكذا عزل: - العربي الطيبي من المديرية العامة للأمن الوطني وعوضه بيادي. - أحمد مدغري وزير الداخلية وعوضه بعبد المجيد مزيان. وتعرضت وزارة التربية والإرشاد - التي كان على رأسها بلقاسم الشريف - إلى عملية بتر منتظمة ب: - فصل مديرية الشباب والرياضة، وإسنادها إلى الصادق باطل (كتابة دولة). - فصل مديرية الثقافة وإسنادها إلى مراد بوربون (محافظة سامية). وأكثر من ذلك حاول فصل كلية الطب، وإلحاقها بوزارة الصحة العمومية التي كان على رأسها الدكتور محمد الصغير النقاش (صديق بن بلة).
(*) عرفت سنة 1974 أزمة حادة في صفوف "جماعة وجدة" أدت إلى انسحاب بلقاسم الشريف وانتحار وزير الداخلية مدغري في نوفمبر من نفس السنة. كان الشريف قد تقلد قبل ذلك: - وزارة التربية والإرشاد - منسق الأمانة التنفيذية لجبهة التحرير الوطني (يوليو 1965) - وزارة التخطيط والاقتصاد - الإشراف على المجلس الاقتصادي والاجتماعي
3 - الطيب الثعالبي بن مهيدي لعبان: "نحن أخوة بالروح" كان الطيب (علال) الثعالبي عضو "المجلس الوطني للثورة الجزائرية" (من 1956 إلى 1962) يحضر أحيانا فعاليات جمعية الجاحظية، فجلست إليه يوم 26 سبتمبر 2001، وسجلت ما ذكر عن الشهيدين يوسف زيغود وبن مهيدي. 1 - زيغود.. زميل الدراسة درس يوسف زيغود معي بأسمندو (زيغود حاليا - قسنطينة) حتى الخامسة من التعليم الابتدائي. وترك المدرسة بعد أن أخفق في امتحان الشهادة الابتدائية. تدرب بعد ذلك على الحدادة، لدى مستوطن أب لثلاثة أبناء. صادق أصغرهم زيغود، وأخذ يجره إلى الملاهي والحانات.. فتدخلت رفقة المناضل محمد العربي دماغ العتروس، لإبعاده عن مسلك الرذيلة وكسبه إلى الحركة الوطنية. 2 - بن مهيدي دخل العاصمة غاضبا كان بوضياف في المغرب يراجع البيانات التي يكلف بن مهيدي بكتابتها، ويشطب أحيانا على فقرات كاملة منها. قبل ذلك كنت أشعر أن هناك شبه تنافس، بين بن مهيدي وديدوش في التقرب من بوضياف (1). عاد بن مهيدي من القاهرة (فبراير 56؟) محبطا لاعنا لطبيعة البشر! فأخذ منذ ذلك الحين يتودد إلى عبان في رسائله، ومما كان يقول له في هذا الصدد: "نحن أخوة بالروح".