أكثر ما يقلق الحكومة اليوم هو عدم إقبال الناس على صناديق الاقتراع، لكن ردود الأفعال على هذا التخوف لم يعبّر عنها بطريقة صحيحة، بل جاءت مثيرة للشفقة، وبدلا من أن تبحث الحكومة عن الأسباب، راحت تستخدم لغة التخويف من عدم الانتخاب، وتصوّر عزوف الناس ونفورهم على أنه "خسارة حرب أمام عدّو". ظهرت في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية لغة جديدة مبتكرة مثل "عدم التصويت معناه الحلف الأطلسي" ولم يقم أي مسؤول بشرح هذه النظرية الجديدة من نوعها، بل إن رجلا مسؤولا مثل الوزير الأول، أحمد أويحيى، شنّ هجوما عنيفا على ثلاث دول مجتمعة هي ليبيا وتونس ومصر، واتهم ثوراتها بالمؤامرة، وحسب نظريته، وهي نظرية رؤساء أحزاب آخرين غيره، فإن الشعوب التي ثارت في هذه الدول كانت تطبق أجندة أمريكية، ونتيجة لهذا التحليل تعتبر السلطات الجديدة في هذه الدول مجرد دمى وبيادق تحركها واشنطن ويحركها الناتو، وهكذا، من أجل أن يقنع أويحي الناخبين الجزائريين بضرورة الانتخاب بخطاب مدروس ومقنع، اتهم ثلاث دول وثلاثة شعوب بالعمالة للأجنبي، ولا أدري كيف سمح لنفسه بإصدار هذا الحكم وهو مسؤول كبير في الدولة؟! هل لأن فرسه جمحت وسقط منه الحبل، أم أن الرجل لم يزن ولم يعرف خطورة ما أقدم عليه وهو السياسي المحنك والدبلوماسي المحترف، حسب ما يروج عنه عرّابوه وأنصاره، وقد أحدثت تصريحاته أزمة بين ليبيا والجزائر ومزّق ما بقي من علاقات بينهما، واستدعت طرابلس سفير الجزائر لديها وقدمت له احتجاجا رسميا، وقدّم الوزير مدلسي اعتذارا شخصيا لنظيره الليبي، وما كان هذا ليحدث في الواقع، لأن من المفروض أن كل ما يخرج من فمّه محسوب ومدروس ومتفق عليه من مستشاريه في السياسة والاتصال والقانون وعلم النفس وعلم الاجتماع، لا أن يطلق العنان للسانه فيقول ما لا يقال، مثلما يفعل موسى تواتي أو خالد بونجمة أو غيرهما من رؤساء الأحزاب الآخرين غير المسؤولين في أجهزة الدولة. ولم يكتف أويحيى بجلد الدول الثلاث فقط، بل امتد لسانه السليط للشعب الجزائري نفسه، عندما أعلن وكله حماسة، بأن "القندورة" في الجزائر ترتديها النسوة وليس الرجال، وفي قرارة نفسه، يعتقد الوزير الأول أنه يوجه نقدا لاذعا للإسلاميين، ولا يعرف أنه يقوم بشتم شعب بأكمله، شعب مازال يرتدي العباءة والعمامة في القرى والمدن الداخلية، وهي جزء لا يتجزأ من قيّمه وتقاليده، وفي هذه القرى يقولون "ضع العمامة يعرفك الناس"، ولا أدري هل يعرف أويحيى هؤلاء وهل التقى بهم في حملاته الانتخابية أم لا ؟ وأحيانا أقول في قرارة نفسي، إن الكثير من المسؤولين لا يعرفون شعبهم ولا يعرفون تقاليده ولا يعرفون شيئا عن آلامه وحاجاته، ولا يتذكرونه إلا في المواعيد الانتخابية، وحتى عندما يخطبون ودّه ويكذبون عليه يقومون بشتمه ويعيّرونه بما يلبس ويرتدي، وكيف يستطيع أويحيى أن يعرف حقيقة شعبه وهو سجين مكتبه لا يبرحه ولا يخرج منه إلا في الصباح الباكر عندما .. يأتي، أو في المساء المتأخر عندما ... يذهب. وأنا أستمع الى ما يقول وأقرأ ما ينقل عنه، عن العباءة والنسوة والرجال والناتو والأجندة والمؤامرة، تذكرت رصاصا آخر أطلقه الرجل في حق شعبه، وظنّي أنه لا يعرف بأن رصاصه جارح، لأنه لا يفقه كنه الكلمات وما تعنيه حسب ظنّي، ألم يقل وهو ينظر الى الأفق "جوّع كلبك يتبعك" ؟ هل سمعتم رئيس حكومة يستعمل مثل هذه الكلمات وهو يخطب ود الشعب ويطلب منه التوجه إلى صناديق الاقتراع؟ ألم يطلب من أفراد الشعب "الذين لا يستطيعون شراء الياغورت .. أن لا يشربوه"؟ وزير أول يستكثر على شعبه شرب الياغورت..ويعيّرهم بلبس العباءة، ويتهم دولا وشعوبا بالعمالة، ماذا تنتظرون منه؟ ألقاكم بخير.