يبدو أن الخط المغربي الذي يعتمده خطاطي المغرب العربي لايزال محل دراسة وبحث الخطاطين العرب والأجانب، بل أصبحوا أكثر ميلا لتوظيفه في لوحاتهم الفنية والمشاركة به في مختلف المهرجانات الثقافية المتعلقة بفن الخط العربي. بالمقابل لعبت الجزائر دورا مهما ساهم في إحداث نقلة نوعية أخرجته من عباءته المحلية، حيث بات يشهد لفاعليتها التي أنعشته وطورته على جميع الأصعدة، متيحة بذلك الفرصة لخطاطي العالم للاستفادة من خبرتها الخاصة في فنون الخط العربي، لاسيما المغربي. عن الموضوع إلتقت “الفجر” بعض المشاركين في فعاليات المهرجان الثقافي لفن الخط العربي الذي يسدل الستار على فعالياته هذا الخميس بالعاصمة.. أجمع عدد من المختصين في الخط العربي، ممن التقيناهم بأروقة المعرض، على قوة الخط المغربي وسيطرته في مختلف المعارض الفنية المقامة بدول العالم العربية والآسيوية وحتى الأوربية لعدة أسباب جعلته القبلة الأولى للدارسين من الخطاطين والباحثين في علم اللغة، في إشارة منهم إلى فضل الجزائر التي لعبت دورا كبيرا في تطويره بشكل خاص وباقي فن الخط بصفة عامة، وكذا إبرازه كعنصر ثقافي مهم مثل الرسم والمنمنمات والفن التشكيلي يعبر ضمن طياته عن الحضارة العربية والإسلامية التي تمتد إلى قرون. جمال بن عيسى: للخط المغربي حرية أكثر في الكتابة يرى في هذا الإطار الباحث والخطاط السعودي، جمال بن عيسى الكباسي، المشارك للمرة الثالثة على التوالي بالجزائر بعد مشاركاته سنة 2009 و2011 وكذا السنة الجارية بالجزائر، أن الخط المغربي يعد واحدا من الخطوط التي تتميز بحرية أكثر في الكتابة عبر عناصرها المختلفة كالشكل والتنقيط حركات الحروف وكذا الكسر بالريشة، على عكس بعض الخطوط الأخرى المعتمدة في المشرق والخليج العربيين، كالخط الكوفي، الذي أصبح يشكل مللا وعائقا لخطاطي الخليج نتيجة الرتابة التي يتميز بها، بالإضافة إلى أن المختصين في الخليج في فنون الخط العربي لم يهتموا به لسنين طويلة اقتصرت فقط على الخطوط اليابسة وغير اللينة، ساهمت في تدهوره وتراجعه وبالتحديد على صعيد المسابقات العالمية والمحلية. وأشار إلى أن السبب يرجع إلى رغبة هؤلاء في اكتشاف الخط المغربي الذي أصبح يسيطر على الساحة الفنية المشرقية وعلى عقول الخطاطين العرب، نظرا لما يحويه من عنصر الجرأة في الكتابة بالدرجة الأولى، وبالتالي انعكس هذا الأمر على استعمالها في الإعلانات التجارية وإعلانات الصحف، موضحا في ذات السياق أن الجزائر عملت على إعطاء الفرصة للخطاطين العرب بهدف تطوير قدراتهم الإبداعية في الرسم بالريشة وتعلم مبادئ الخط المغربي، مانحة الاحتكاك والتواصل مع نظرائهم من الجزائر، على غرار الخطاط صفر باتي، وهو خير مثال على ذلك. هلال كازان: تطور الخط المغربي ليس وليد الصدفة أكدت بدروها الدكتورة والخطاطة التركية، هلال كازان، أن تميز الخط المغربي وبلوغه درجات متطورة وتحقيق رساميه لمراتب عالمية ليس وليد الصدفة بل نتيجة الثراء الذي يتمتع به في مختلف الجوانب وتأثره في السابق بالخط العثماني في عدة عناصر كتابية، وتعتقد أن الخطاط الجزائري لايزال إلى اليوم ينتهج مبادئ الخط العثماني من خلال الملامح الظاهرة على أعماله الفنية، والتي تبدي تأثره واستلهامه لتاريخ وتراث الحضارة العثمانية الإسلامية انطلاقا من دراسته بتركيا في ما مضى، دون أن تنفي أن الخطاط الجزائري بعدها لم يقف مكتوفي الأيدي بل عمل ووضب باحتكاكه وتواصله مع الطرف الأخر على تكريس موهبته وتعلمه في تطوير هذا فن الخط المغربي والعربي كذلك. وما يبرز هذه العلاقة الوطيدة بينهما هو الكتابة على المصحف الشريف والتي يبدو فيها الفرق بسيطا جدا، بل تعدت هذه التجربة إلى الكتابة على الابرو، الجلد والمنيتير، وغيرها من أدوات الكتابة. بينما اعتبرت دور الجزائر كبير ساهم في إضفاء الروح والحرية لفن الخط العربي المقيد نوعا ما بهدف إبراز جوانب أكثر تتعلق بالحضارة الإسلامية وتاريخ شعوبها مع الحفاظ على القواعد والمبادئ. الخط المغربي الاكتشاف رقم واحد للمشارقة.. والخبرة الجزائرية ملموسة كما اعتبرت من جهتها الباحثة في علم اللغة اللبنانية، رانيا محمود بعيون، أن فرصة التواصل التي منحتها الجزائر للخطاطين على اختلاف جنسياتهم لم تكن في السابق بباقي البلدان العربية وبعض الأجنبية منها، وهو ما سمح باحتكاك وتبادل التجارب والمعارف على مستوى واسع مس التطرق إلى فن الخط العربي، ومنه المغربي، الذي بات الاكتشاف رقم واحد للخطاطين العرب وفناني التشكيل الخطي. وترى أن مهمة الجزائر دفعت بنهضة قوية لفن الخط العربي أظهرت خلالها معالم التاريخ الإسلامي وتعاليم الدين. كما شجعت المبدعين والهواة في آن واحد على تعلم والتعلم والاستفادة من الخبرة الجزائرية في هذا المجال الغني والثري. نوريا ڤارسيا: الجزائر أسست للخط المغربي وطورته وفي السياق أكدت المشاركة الإسبانية، نوريا ڤارسيا، على تنوع وثراء الخط العربي وفي مقدمته الخط المغربي الذي وصفته بالجميل والمميز، منوهة إلى أن هذا التحول جاء بعد اهتمام واسع وصحيح بالفن وفن الخط العربي من مختلف البلدان العربية، وبالخصوص الجزائر التي دأبت على تطويره ووضع قواعد وأسس تنظم لطريقة كتابته بصورة واضحة وسليمة.