ترهيب وزير السكن نور الدين موسى بإسقاط حق الاستفادة لم يردع المتورطين تشهد بعض بلديات العاصمة انتشار فادح لظاهرة بيع وكراء السكنات الموزعة في إطار برنامج إعادة الإسكان على العائلات القاطنة في السكنات الهشة والبيوت القصديرية، غير أن رفضهم لوضع السكن سواء ما يتعلق بضيق الغرف أو عدد الطوابق أو رداءة البناء دفع العديد منهم إلى بيعها عن طريق عقد موثق للأقارب أو “المعارف” في حين وجد البعض الآخر في الكراء الحل الأفضل، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هي مدى وجود الرقابة على السكنات الجديدة التي يمنع القانون التصرف فيها قبل انتهاء مدة 10 سنوات. كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا عندما توجهنا إلى حي تيقصراين بالضبط إلى الحي الجديد الذي يضم المرحلين الجدد من حي ديار الشمس، برج الكيفان حسين داي وغيرها من المناطق، توجهنا إلى ساحة الحي لنستفسر عن مدى صدق المعلومة وإبداء رغبتنا في شراء سكن على مستوى الحي، فإذا بنا نذهب رفقة أحد المواطنين المكلف بعملية البيع والكراء على مستوى الحي لنكتشف الخروقات القانونية التي تحدث في عمليات بيع السكنات دون وثائق قانونية، خاصة عندما يرفض القانون بيع سكن قبل انقضاء مدة 10 سنوات. سكنات اجتماعية تباع بتعهد بالبيع واعتراف بالدين لمدة 10 سنوات تتم عمليات البيع بحي تقصراين عن طريق “تعهد بالبيع” من طرف المستفيد و”اعتراف بالدين” من طرف المشتري، وهي العملية التي تتم عن طريق مكاتب التوثيق دون اكتتاب رسمي حول عقود بيع حقيقية، على اعتبار أن هذه الشقق لم تسو بعد وضعيتها بإصدار عقودها النهائية لصالح المستفيدين الأصليين، وهي التي لا تزال مؤجرة للمستفيد من طرف ديوان الترقية والتسيير العقاري، وبالتالي فإن عملية بيعها غير قانونية ويعاقب عليها صحابها، غير أن غياب الرقابة ساعد على انتشار الظاهرة في أوساط السكان وكذا مواطنين من خارج إقليم البلدية الذي صاروا يتهافتون على المكان من أجل شراء مسكن الذي يمثل حلم الكثيرين، خاصة ممن لم يحالفهم الحظ في الاستفادة من سكن لائق في إطار برنامج إعادة الإسكان الذي حرم الكثيرين ليجدوا في رفض العائلات المستفيدة للشقق الحل الأنسب في القضاء على أزمة السكن التي يتخبط فيها هؤلاء. واستغربت “الفجر” الطريقة التي تتم بها عملية البيع والكراء التي كانت الحل للكثيرين، حيث اعتمد هؤلاء وسط حاجة المواطن إلى الكراء أثمان زهيدة أسالت لعاب الكثيرين، ما جعل العملية تتنامى بشكل رهيب في أوساط السكنات الجديدة. أسعار الشقق الاجتماعية تصل إلى 350 مليون سنتيم والكراء يقفز إلى 15 ألف دينار هي أسعار الشقق التي وزعت على بلدية بئر توتة منذ سنتين واستفاد منها سكان الأحياء القصديرية والسكنات الهشة بالعاصمة، غير أنه بعد النقائص التي وجدت بها من رداءة البناء ورفض الطابق والضيق الشديد، على اعتبار أن معظم الشقق تتكون من غرفتين إلى 3 غرف، قررت العائلات المستفيدة أن تبيع وتؤجر شققها إلى أناس في حاجة إلى سكن فكان السعر الزهيد السبب وراء استقطاب الزبائن ومن مختلف المناطق، غير أنهم احتاروا في الكيفية التي يتم التعامل بها أمام وجود قانون صارم يمنع بيع الشقق الاجتماعية قبل انتهاء مدة 10 سنوات، وهو ما لم يعمل به في بلدية بئر توتة بالضبط في المجمعات السكنية الجديدة التي استفاد منها أصحابها في سنة 2010 بغرض الحد من أزمة السكن غير انهم اتخذوا منها محل للبزنسة والتبادل العقاري. ولعل أهم ما ميز السكنات الاجتماعية بتسالة المرجة هي مبادلات الشقق بالنظر للضيق الشديد الذي تعانيه العائلات، حيث أجبرت على زيادة مبلغ 100 مليون سنتيم لزيادة غرفة أخرى في المناطق بعيدة عن وسط المدينة، وبطرق غير قانونية، الأمر الذي جعلنا نتساءل عن دور اللجنة المكلفة بمراقبة قاطني السكنات الاجتماعية الإيجارية الجديدة الموزعة ضمن المخطط الولائي الرامي إلى إعادة إسكان العائلات القاطنة بالشاليهات،البيوت القصديرية والبناءات المهددة بالانهيار وكذا العائلات القاطنة بالمقابر. والأغرب في تنامي الظاهرة هو وجود مكاتب دواوين الترقية والتسيير العقاري على مستوى الأحياء الجديدة التي وجدت لوضع حد لمثل هاته التجاوزات، غير أن العكس صحيح بالنظر إلى الانتشار الكبير للظاهرة التي تستدعي تدخل الجهات المعنية لفرض إجراءات ردعية ضد كل من يساهم في انتشارها بين أوساط السكان. صفقات شراء ضخمة بفائدة 200 مليون سنتيم للشقة الواحدة الجولة الاستطلاعية التي قادتنا لبعض المجمعات السكنية الجديدة، جعلتنا نقف عند سماسرة سوق العقار الذين وجدوا في الأحياء السكنية الجديدة الفرصة المناسبة لإبرام صفقة شراء تصل اربحها إلى 200 مليون سنتيم وهو ما قادنا إلى احد السماسرة بحي 1680 مسكن الواقع ببلدية بئر توتة الذي كان تعاملنا معه بصفة الزبون توجهنا إلى ذات الحي، حيث وجدنا مجموعة من الشباب سئلنا عن إمكانية شراء مسكن فكانت الإجابة سلبية في بداية الأمر، غير أنه بعد إلحاح منا تأكدنا أن الحي تحول إلى سوق للعقار الشقق تباع وتشترى بأسعار لم تستقر بعد، خاصة بعد آن شرعت العائلات في بيع سكناتها سواء للمعارف أو الغرباء وبأثمان استقطبت الزيائن ومن مختلف المناطق، صعدنا إلى جناح ج أين التقينا السمسار “ق” تحدثنا إليه فإذا به يتوجه بنا للشقق التي يرغب أصحابها ببيعها فإذا بها كثيرة خاصة المتكونة من غرفتين التي لقت استنفار أصحابها واستقطاب المحتاجين. جلسنا للحديث مع سكانها فتفاجأنا أن العائلات تملك مسكنا آخر في أماكن أخرى، الأمر الذي جعلنا نتساءل عن دور لجنة مراقبة السكنات وكيف تمت عملية تحديد المستفيد في وقت يملك فيه الكثيرين سكنات أو عقارات في أماكن أخرى، والأدهى في كل هذا أن تتحول أحياء المحتجين إلى سوق للعقار الشقق تباع باثمان تتراوح بين 350 مليون سنتيم إلى 550 مليون للشقة ذات غرفتين وهو المبلغ الذي يقتطع منه السماسرة حوالي 100 مليون سنتيم كفائدة تعود إليه بالنظر إلى حاجة العائلات للبيع هو الحال نفسه مع عمليات الكراء التي تتم بواسطة السماسرة الذين منعوا أي عملية بيع دون أن يكونوا طرفا فيها. الزيارة الميدانية التي قادتنا إلى عين المكان جعلتنا نقف عند عملية استئجار الشقق التي وصلت أثمانها من 1200 إلى غاية 1500 دينار للشقة الواحدة، والطلب يكون عند سمسار الحي الذي لا يمكن أن يتم تعامل البيع أو الكراء دون اللجوء إليه أو تلغى العملية خاصة عندما يفرض هؤلاء قوانينهم بالأحياء السكنية الجديدة. الوكالات العقارية تلعب دور الوسيط في بيع السكنات تلعب الوكالات العقارية الواقعة بالأحياء السكنية الجديدة على غرار سبالة، تسالة المعرجة، بئر توتة دور الوسيط في بيع السكنات الاجتماعية، خاصة مع الإقبال الكبير للقاطنين الجدد لإتمام عملية البيع التي يمنع القانون أن تتم قبل أن يصبح العقد النهائي باسم المستفيد الأول، هو الأمر الذي أكدته صاحبة وكالة عقارية قريبة من الحي الجديد، حيث أكدت ل”الفجر” أن العروض في بداية الأمر كانت محتشمة غير أنه مع اقتناع العائلات المستفيدة بضيق أغلب الشقق وصعوبة عملية البيع، قرر هؤلاء التعامل عن طريق الوكالات العقارية التي سجلت طلبات عدة، إلا أنها لقيت صعوبات في بداية الأمر بسبب اقتناع المواطن بعدم قانونية الأمر، غير أنه مع حاجة الكثيرين تغاضى هؤلاء عن الأمر وتمت عملية البيع بعائدات كبيرة للوكالات العقارية. عقوبات مزدوجة للمتاجرين ببرامج الدولة عاد إجراء مراقبة السكنات الاجتماعية الجديدة بعد إقدام العديد من العائلات على بيع سكناتها الجديدة، رغم حاجتها الماسة لها أين صدرت إجراءات عقابية ضد كل من يفكر في بيع سكن اجتماعي استفاد منه في إطار برامج الدولة أو الذي يساهم في عملية البيع، وهو ما تؤكده دواوين الترقية والتسيير العقاري بالعاصمة من خلال تسليط عقوبات صارمة ضد المتحايلين على السلطات للحصول على مسكن اجتماعي إيجاري وبيعه فيما بعد، حيث تصل العقوبات إلى حد السجن مع حرمان المستفيد من مسكنه وحرمانه منه حتى يكون عبرة لمن يفكر في بيع مسكن ليس ملك له. وأكد ديوان الترقية والتسيير العقاري للدار البيضاء على لسان مديرها، طارق سويسي، أن مصالحه قامت باتخاذ إجراءات ردعية ضد المستفيدين الجدد ممن باعوا شققهم المسلمة لهم حديثا في إطار القضاء على السكن القصديري، مبدين عزمهم على تطبيق الإجراءات العقابية بكل المجمعات السكنية التابعة لهم التي تتم فيها مثل هاته المعاملات غير قانونية. الجدير بالذكر، أن وزارة السكن أكدت على إعادة إدراج الإجراء الخاص بمنع بيع السكن في إطار قانون المالية 2012 قصد مراقبة الطلب على السكنات الاجتماعية والحد من الأزمة لتفادي المتاجرة ببرامج الدولة. وقال وزير السكن، نور الدين موسى، أن الهدف من إعادة إدراج الإجراء الخاص بمنع بيع السكنات الاجتماعية لمدة 10 سنوات ه فرض الرقابة الصارمة على سوق العقار وتفادي المضاربة المتعلقة بالسكنات الاجتماعية، خاصة منها المتعلقة ببرنامج السكن الاجتماعي التساهمي المدعّم بشكل كبير من طرف الدولة، على اعتبار أن المستفيد الذي ليس بحاجة إلى مسكن من الواجب أن يعيده إلى الدولة من أجل منحه لشخص بحاجة إليه أكثر.