الدولة لن تدخر أي جهد لتعزيز مكاسب استفاد منها العمال    ضرورة تقديم برامج متنوعة وراقية خلال شهر رمضان    الذكرى 54 لتأميم المحروقات نقطة تحول فارقة في تاريخ البلاد    من يهاجمون الجزائر اليوم في فرنسا هم أحفاد المعمرين بالأمس    المعهد الوطني للصحة العمومية ينظم يوما إعلاميا    خنشلة : مصالح أمن الولاية حملة للتبرع بالدم في الشرطة    رسكلة: المؤسسات الجزائرية تبرز مهاراتها في الصالون الدولي لصناعة البلاستيك والتدوير والتعبئة والطباعة الجزائر    صناعة صيدلانية: شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    عشرات الآلاف يشيّعون نصر الله وصفي الدين    حق اللجوء يتراجع عالمياً    وزير الرياضة يدعو الصحافة الوطنية إلى تشكيل جبهة لمواجهة الحملات الخارجية    شارمبيرا يُهنّئ الجزائر    هذه توجيهات الرئيس للحكومة..    شنقريحة يشيد بحركية الدبلوماسية    المال بدل قفة رمضان    نظارات لفائدة التلاميذ    الصحراء الغربية : وفود أجنبية متضامنة تحضر فعاليات التظاهرة الدولية "صحراء ماراطون"    42 بالمائة من المياه الصالحة للشرب ستؤمن من مصانع التحلية    المجلس الشعبي الوطني: وزير الثقافة والفنون يستعرض واقع وآفاق القطاع أمام لجنة الثقافة والاتصال والسياحة    البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية للتصدي لمخطط تهجير الفلسطينيين    السيد مراد يلتقي بمدريد بنظيره الاسباني    سايحي يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية المستقلة للقابلات الجزائريات للصحة العمومية    الوزير الأول يشرف بحاسي مسعود على مراسم إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات    وساطة الجمهورية: التكفل ب 97 بالمائة من عرائض المواطنين خلال سنة 2024 بولاية جانت    ياسع يشارك بالصين في أشغال الجمعية العامة للهيئة الأممية للتغيرات المناخية    نعم انتصرت المقاومة وإسرائيل تتفكك رويدًا رويدًا    تأميم المحروقات من اهم القرارات الحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة    محروقات: وكالة "ألنفط" تعتزم إطلاق مناقصة دولية جديدة في أكتوبر المقبل    بوغالي يعزي في وفاة ثلاثة عسكريين أثناء أداء واجبهم الوطني بعين تيموشنت    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    المجلس الوطني الفلسطيني: استخدام الاحتلال للدبابات في "جنين" يهدف لتدمير حياة الفلسطينيين    كرة القدم/ الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 17): مولودية الجزائر تفوز على نادي بارادو (3-1) وتعمق الفارق في الصدارة    رؤية استشرافية متبصرة لريادة طاقوية عالمية    محطات تحلية المياه مكسب لتحقيق الأمن المائي    رؤية شاملة لمواصلة لعب الأدوار الأولى    ترقية التعاون جنوب-جنوب في مجال الطوارئ الكيميائية    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    "إسكوبار الصحراء" تهدّد مملكة المخدرات بالانهيار    بونجاح وعبدلي يؤكدان جاهزيتهما لتصفيات المونديال    خارطة طريق جديدة للقضاء على النفايات    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    الشوق لرمضان    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    سيطرة مطلقة للمنتخب الجزائري    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مباخر المثقفين وشعوذة الكهنة
رأي حر
نشر في الفجر يوم 20 - 06 - 2012

من البديهي في سياق مقاربة الإنتفاضات والتشنجات التي تُهزِّزُ منذ استهلال العام 2011 الأوضاع في بعض الأقطار العربية، أن نأخذ بالحسبان كون هذه الأوضاع استقرت برهة من الزمن راكدة تختمر بما يعتمل في جوفها من بقايا الإنكسارات والخسارات فلا يطفو على سطحها من وقت إلى آخر، إلا فقاقيع ما تلبث أن تزول مخلفة ريحها الكريهة لتجدد النتّنَ المتصاعد دون انقطاع من الحرائق التي أضْرِمَتْ ابتداء، في 5 حزيران 1967 دون أن تخمد أو تهمد نارُها حتى الآن.
إذ ليس من المنطق أن يُهمل الباحثُ فرضيةَ وجود رابط بين الفَقْع ِ الذي تواصلَ طيلة العقود الاربعة الماضية من جهة و بين الإنفجارات التي يتوالى دويُّها حيثما أمكن اقتداح ”الثورة” من جهة ثانية. لاسيما أن الدور الذي تضطلع به إمارات وممالك شبه الجزيرة العربية في ”السيرورة الثورية” الراهنة إذا جاز التعبير، مثير للريبة، فهو لا يتسق ولا يتناسب بالقطع، قياسا على مدى ألتزام هذه الكيانات بالقضية العربية بما هي قضية تحرر وطني من الهيمنة الإستعمارية هذا من ناحية وعلى درجة أسهامها في بلورة مفهومية العروبة بما تعنيه ضمنيا من انتماء إلى فضاء ثقافي واقتصادي، هو الأكثر ملاءمة لتطور وتقدم الذين يعيشون في أكنافه من ناحية أخرى .
فمن نافلة القول، أن نظام حكم الأمراء السعوديين و الخليجيين ليس نموذجا في مجال التصدي لمقاومة التمدد الإستعماري الإسرائيلي، فضلا عن أن مصالح هؤلاء الأمراء لا تتعارض مع تصاعد النفوذ الأمبريالي في المناطق التي يبسطون سلطتهم عليها ولا يضيرهم تزايد أستغلال الشركات المتعددة الجنسيات لمواردها الباطنية. ولا حرج أيضا من التذكير بأنهم ليسوا روادا في ميدان الدفاع عن حقوق الإنسان و الحريات ولا مرجعا في وضع الدساتير والقوانين العادلة، ولا مثلا يحتذى به في الممارسة الديمقراطية وفي احترام إرادة الشعوب.
لست هنا بصدد محاولة تبيان الغايات التي يقصدها الأمراء من خلال تعهّدِهم ”للثورات” والحماسة الشديدة التي يبدونها في دعم المتمردين في سوريا على و جه الخصوص. وإنما أنا في مجال التفكّر في الوسائل التي يستخدمونها والسبُلِ التي ينهجونها للوصول ألى غاياتهم تلك. أوبكلام أكثر وضوحا و بَسطا، ما أود تناوله هو”ظاهر الأمور”، لأني على يقين بأن قباحة الشكل ليست دائما مسألة ذوق، فهي تعكس من وجهة نظري أحيانا إعتلال الرؤية والبصيرة بالعين والقلب والعقل معا.
لاعد عودي إلى الأمراء فاطرح السؤال عن المَحاوِر التي تدور حولها حججهم ودعايتهم لإقناع الناس أو بالأحري لدعوتهم كي يحتشدوا للثورة ضد نظام الحكم في سورية. الإجابة عندي، هي التضليل بتأويل ماجاء في كتاب المسلمين وتدبير ما رُوي عن نبيهم، بالإضافة إلى التغرير بالمال والربح وإلى شحذ العصبية المذهبية والطائفية واستنهاض الغرائز. هذا يعني أن تأثير ونجاحات الأمراء المحتملة تتطلب وجود بيئة تتقبل مثل هذه الحجج والأساليب الدعائية أو لنقل أنهم يستغوون الذين لا يقيمون وزنا للمبادئ والقيم أوالذين أسلموا دون أن يتخلقوا بأخلاق الرسالة المحمدية ويأخذوا بتهذيب الإيمان والتصعّد الروحاني. لا يهمهم ألا ما يمكن حوزه في الحاضر،لا تشغلهم شؤون المستقبل، فظروف نشأتهم وعيشهم جعلتهم لا يفرقون بين الصالح والطالح إلا بما ينالونه من أجر و يصيبونه من غنائم. لا أظن أن هذه المسألة تحتاج إلى البسط والتوسع لكثرة البراهين عليها، ليس في مجتمع عربي بعينه ولكن في جميعها دون استثناء، كمثل غيرها من المجتمعات التي تعرضت لنكبة النظام الليبرالي المعولم.
لأصل من بعدُ إلى القول أن دافع أمراء وملوك شبه الجزيرة العربية إلى الخوض في الأزمة السورية ليس بالقطع حرصهم على القضية الوطنية السورية. فلا ننسى أنهم ”أشدّاء” في حروبهم من أجل إخضاع العرب ل”مذهبهم الوهابي”، ولكنهم ”معتدلون” يبشِّرون بفضائل التعاون و”التطبيع” مع المستعمرين الإسرائيليين الذين يحتلون أرضا سورية، أي انهم ضد أتحاد السوريين في أمة واحدة وفي وطن واحد، يذودون الأعداء عن ترابه.
إذا كانت ”عسكرة” الأزمة الوطنية مدخلا للحل الأمني، فمن المعروف أن هذا الأخير يفضي إلى أخماد اللهب وإبقاء الجمر تحت الرماد. وقد يكون في بعض الظروف ضروريا حفاظا على الكيان الوطني. وفي المقابل إن ”الحل المذهبي” يقضي إقصاء فئة من الناس وإلغائها، تأسيسا على ”مذهبة ” الوطن. وذلك بالإعلان أن عدم اتباعها ”للمذهب” يبرر تكفيرها بالسيف فالوطن الموعود بنظر أصحاب ”الحل المذهبي” لا يتسع ” للكافرين”.
تحسن الإشارة أيضا في هذا السياق و في اطار دائرة أوسع إلى ”الحل الديني”، الذي ينبني على رؤيا ترتكز على أعتبار جميع أتباع ”الديانة ” المفترضين اينما وجدوا، جنودا في الحرب من أجل تطبيقه. وجملة القول أن أمراء شبه الجزيرة العربية يطرحون ويدعمون حلا مذهبيا او دينيا للأزمة السورية. هذا يعني أنهم يعملون على تفرقة السوريين و تجزئة سورية، أوإلغاء كيانها الوطني .
ولكن ما يعنيني من هذا كله هو هذه ”الثورة” التي أصم الحديث عنها الأسماع ؟ هل قامت فعلا. ما هي إذن تجلياتها على أرض الواقع. من قام بها ولحساب من؟ وبكلام أكثر صراحة أن هذه المسألة تكشف عن إشكالية جوهرية تتمثل بالذهنية التي لم تشكك بمصداقية المقولة بأن ”الثورة”ممكنة بدعم من دول حلف الناتو و من أمراء النفط ومن الكهنة الذين أفتوا بوجوب ”الجهاد” والقتال تحت رايتها ” يدا بيد مع الناتو” من أجل ”تطهير” الأرض من الذين كفّروهم. من المفروض أن لا يتفاجأ ويدهش المرء أمام فتاوى وخطب الكهنة ”عن الثورة” و”التكفير” والتعاون مع المستعمرين. فلقد سبق وأفتوا قبل ذلك بتحريم مقاومة المستعمرين الإسرائيليين و ”بإرضاع الكبير”. كان من المنتظر أيضا أن ينجح الأمراء والمشايخ في حشد وتجنيد الغوغاء في ”الثورة”. ولكن العجب العجاب أن ترى ”مثقفين” و”مفكرين عربا” يتناوبون هم و كهنة ”الثورة” على نفس المنابر. هؤلاء يفتون فيكفرّون الذين رفضوا ” التطبيع ” مع المستعمرين الإسرائيليين ويدعون إلى قتالهم وأولئك يهرؤون الكلام هرءا فيعيبون عليهم بين يدي الأمراء السعوديين و الخليجيين أحتكار وتوارث السلطة وحرمان الناس من حقوقهم. من غرائب هذا الزمان العربي أنك تجد فقهاء يتعاطون الشعوذة ومفكرين سكارى يحملون المباخر ويدخّنون الأمراء.
خليل قانصو فرنسا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.