ها هي الأيام تمر ويهل علينا الشهر الكريم شهر المغفرة والرحمة أولّه رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عِتقٌ من النار، شهر القرآن شهر رمضان المعظم الذي ننتظره من العام للعام داعين المولى عز وجل أن يبلغنا صيامه ويعيننا على حُسن قيامه ويوفّقنا للعمل الصالح فيه ويجعلنا من عتقائه وممن يخرج منه وقد غفر الله تعالى ذنوبه وتقبّل منه اللهم آمين. ونحن على مشارف بشائر الخير نتساءل هل نحن مستعدون لاستقبال رمضان، وهل أعددنا له ما يؤهلنا لصيامه؟ فلا أحد ينكر أن كثير من الناس يدخلون في رمضان بغير نية صادقة وليست نية الصوم ولكن نية الإخلاص في الصوم والتوجه بصدق لعبادة الله في هذا الشهر المبارك. وللإجابة على هذه الأسئلة نستقرئ رأي عدد من علماء الدين حتى ينيروا طريقنا ويرشدونا لطريق الخير والصلاح. الفرح والاغتباط بهذا الموسم وكانت البداية مع الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، والذي أوضح أن الاستعداد لرمضان يجب أن يكون أولاً بالحمد والشكر لله جل وعلا والفرح والاغتباط بهذا الموسم العظيم، والتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، كما يجب الخروج من المظالم، والعمل على الانتفاع من أيامه ولياليه صلاحاً وإصلاحاً، فبهذا الشعور والإحساس تتحقق الآمال، وتستعيد الأفراد والمجتمعات كرامتها. ولكن عندما يدخل رمضان، ويراه بعض الناس تقليداً موروثاً، قد يكون ذلك سبباً في ازدياد انحرافه فذلك عبث شيطاني، له عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع. فعلى الأمة الإسلامية أن تهنأ بحلول هذا الشهر العظيم، إنه فرصة للطائعين ليزيدوا من العمل الصالح، وفرصة للمذنبين للتوبة، ففيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران. الدعوة إلى الله ويرى الشيخ فرحات المنجي، من علماء الأزهر، أنه يجب تهيئة أهل البيت لاستقبال الشهر، فكما نحرص على الإنفاق في موسم المدارس على الأبناء ونُعد لهم ما يحتاجون إليه وكذلك عند حلول الشتاء نشتري ما يدفئ المنزل والأبدان، يجب أن نعد أهلنا وأبناءنا لاستقبال هذا الشهر وذلك من خلال توفير الكتاب الذي يبين أحكام الصيام، أو توفير أشرطة يتعلم أهل البيت سواء الزوجة أو الأبناء ما ينفعهم ويفيدهم ويزيد إيمانهم ويحيي قلوبهم. وخلال شهر رمضان يجب على كل مسلم ومسلمة أن تكون له مبادرات إيجابية تحولنا إلى داعية إلى الله يأخذ بنواصي العباد إلى الله تعالى. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) سورة فصلت 33. بالتنافس بين المسلمين وبتوجيه السؤال للدكتور جمال قطب حول كيفية الاستعداد لشهر العبادة، أكد لنا أن على المسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات ، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها. فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل ”الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله”. كما يجب علينا التخطيط المسبق للاستفادة من رمضان، فالكثيرون من الناس وللأسف حتى الملتزمين منهم يخططون تخطيطاً دقيقاً لأمور الدنيا، ولكن قليلون هم الذين يخططون لأمور الآخرة، ، وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في هذه الحياة، فعلى المسلم أن يضع برنامجاً عملياً لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى. فتح صفحة بيضاء ويبين لنا الداعية يوسف البدري أنه على المسلم استقبال رمضان بفتح صفحة بيضاء مع الله بالتوبة الصادقة، ومع الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، ومع الوالدين والأقارب، والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة، والمجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبداً صالحاً ونافعاً. قال صلى الله عليه وسلم: ”أفضل الناس أنفعهم للناس” هكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الحبيب للغائب المنتظر. ويكفي أن نعلم أن صيام رمضان وقيامه سبب لمغفرة الذنوب، وعلاج لكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية، فهذه الأمور تحفزنا على استغلاله والمحافظة عليه وعدم التفريط فيه، فنندم حيث لا ينفع الندم. ويضيف أن شهر رمضان ليس شهر خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس ولكنه شهر جهاد وعبادة وينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور، والمحافظة فيه على صلاة التراويح اقتداء بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وأن نحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار. كما علينا أن نلح على الله بالدعاء والاستغفار بالليل والنهار في حال صيامه وعند سحوره، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: ”من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فاغفر له”، حتى يطلع الفجر رواه مسلم في صحيحه. اللهمَّ بلِّغْنا شهر رمَضان الكريم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَال: لمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَال رَسُول اللهِ: ”قَدْ جَاءكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَليْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وتُغْلقُ فِيهِ أَبْوَابُ الجَحِيمِ، وَتُغَل فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ ليْلةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ” (خرَّجه الإمام أحمد في مسنده). يقول ابن رجب الحنبلي في شرح هذا الحديث: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، وكيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقتٍ تُغَل فيه الشياطين. حال الصالحين في رمضان كان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.. وكان كثير من السلف يؤثرون بفطورهم وهم صائمون منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.. وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل. وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.