قفزت إلى ذاكرتي صور الممثلين التركيين مهند ونور، بطلا أحد المسلسلات اللذين اقترن اسمهما في المخيال العربي ب"منتهى الرومانسية" ومئات المعجبين في استقبالهم بحفاوة استقبال "الفاتحين" بمطار خليجي قبل نحو سنتين من الآن، وأنا أطالع تقريرا أذاعته وكالة الأنباء الاناظول التركية، قد يكون مفاجئا بالنسبة للعرب ملخصه "أن الأتراك لا يتابعون مسلسلاتهم الدرامية شاغلة العرب من المحيط إلى الخليج"، ما يعني شيئا واحد أن المنطقة العربية تحولت إلى سوقا مفتوحا لتصريف شتى أنواع البضائع وصانعة أمجاد الغير بالنسبة لفنانان تركيان مغموران لم يكونا يحلمان بتحقيق ثمن ما صنعه لهما العرب. ورغم تباين الأسباب الكامنة وراء إعراض الأتراك عن متابعة "بضاعتهم الدرامية" بدءا من السن مرورا إلى مخالفتها للتعاليم الدينية إلى طبيعة العمل في حد ذاته، فيجب الأخذ في عين الاعتبار أسباب "هيام" الجمهور العربي بمجالسة الدراما التركية غير عابئ بحقيقة أنه مجرد وعاء لحشوه بنمط حياتي بعيد عن الواقع انطلاقا من "منطق تجاري". تفسير لم يأت على لسان فنان أو مثقف تركي بل من سياسي يشغل منصب مستشار رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان، الذي يقول بصراحة "إن المسلسلات التركية ليست نوعا من أنواع الغزو الثقافي للعرب بقدر ما هي تجارة". بهكذا منطق يتعامل أحفاد أتاتورك مع العرب بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معهم في مسالة الغزو الثقافي بعدما أوجدوا فيها سوقا لتصريف بضاعة من نوع خاص انطلاقا من مبدأ تجاري يدر عليهم ملايين الدولارات سنويا وهو المنطق الغائب عن تفكير القائمين على شؤون الثقافة وحتى السياسيين في الجزائر الذي يبقى الخروج بالدراما الوطنية (على قلتها) من "القوقعة" إلى الجيران حتى لا نقول إلى فضائيات المشرق العربي المتخمة بمختلف أنواع الأعمال المصرية السورية الخليجية واللبنانية. لكن ماذا ننتظر من مدير العام للتلفزيون الجزائري الأسبق عبد القادر العولمي الذي فكر (في إطار تطوير الشبكة البرامجية) في دبلجة مسلسل مهند ونور إلى اللهجة الأمازيغية بدلا من تفكيره في اتباع استراتيجية تحدث نهضة وقفزة إنتاجية كما ونوعا!! فحتى حين شاهدنا مسلسلا من إنتاج جزائري مئة بالمئة يعرض عبر قناة ليبية خاصة قبل أشهر، توسم الجزائريون خيرا لكن فوجئوا بعدما تبين أن العمل المعروض لم يكن سوى "عباس بن مرداس"، العمل التاريخي الذي أكاد أجزم أن الفضائية اشترته لاعتقادها أنه من نوع "الفانتازيا التاريخية الكوميدية" وليس عملا جادا لغزارة الهفوات به كنسيان عمود كهربائي والبطل يرتدي ساعة يد.. وك"أضعف الإيمان" فعلت تونس في عهد المخلوع زين العابدين بن علي قبل نحو أربع سنوات ما لم يتجرأ مسؤولونا على فعله، حيث اشترطوا شراء المسلسلات والسكاتشات التونسية وعرضها على التلفزيونات السورية والمصرية مقابل شراء أعمالهم، وبالتالي إيجاد لها موطئ قدم بالتلفزيون التونسي. فهل نستقي دروسا من بن علي واردوغان؟ و ندخل قلب الصناعة الدرامية عوض تكريس الرداءة ب"بريكولاج" رمضاني موسمي.