لا أعتقد أن الإخوان المسلمين في مصر قد استفادوا من الثورة بمجرد استيلائهم ديمقراطيا على رئاسة الجمهورية، فموقدو فتيل هذه الثورة الأوائل كانت طموحاتهم وأحلامهم أكبر وأجمل مما أفرزه الصندوق، حتى وإن كان شفافا ونزيها. وما يراه الرئيس المنتخب محمد مرسي والمرشد العام للإخوان المصريين ورديا لا يراه جزء كبير من الشعب المصري كذلك، فمصر اليوم ليست مصر زمان ومصريو اليوم ليسوا مصريي زمان، انقلبت المعطيات والمفاهيم، وتغير التفكير ولا مجال لفراعين جدد لتعويض الفراعين القدامى.. الكلمة الشهيرة التي تنسب لعمرو بن العاص القائلة ”أرضها ذهب ونيلها عجب ونساؤها لعب ورجالها عبيد لمن غلب”، هذه الكلمة غير صحيحة اليوم وخاصة في جزئيها الأخيرين، فلا نساء مصر لعب ولا رجالها عبيد لمن غلب. حتى وإن كان الإخواني الدكتور محمد مرسي الذي حاول ويحاول احتكار جميع السلطات والإمساك بزمام الحكم بيد من حديد... ثوار مصر الجدد من حقهم رفض كل ملتف عن أهداف الثورة ومستغل للعاطفة الدينية للمواطنين من أجل الانقضاض عليها وتبنيها، من حقهم فرض رأيهم وفكرهم ومنهجهم واقتراح الدستور الذي يرونه الأليق بدولة محورية كبرى كمصر، لن تشفع لمحمد مرسي خطبه الرنانة ولا تطميناته المتكررة للشعب ولطبقته السياسية التي اكتسبت الخبرة والوعي اللازمين لتشكل من نفسها معارضة قوية لا ترضخ للضغوط الداخلية أو الخارجية، معارضة يمكن أن تكون إضافة نوعية للمشهد السياسي المصري وبديلا لنظام الحكم.. الإخوان المصريون في مصر اعتقدوا أن الوصول إلى سدة الحكم يعني إدراك الغاية وبلوغ الهدف، لم يضعوا جيدا في حسبانهم أن الذين احتلوا ميدان التحرير ودفعوا ضريبة الدم من الثوار كانوا في غالبيتهم من لون سياسي مخالف لهم، ربما لم يدر بخلدهم وهم في نشوة الفرح بالوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية والظفر بهذه المؤسسة الهامة أن العالم قد تغير وأن من ثاروا البارحة يمكن أن يثوروا اليوم ويثوروا غدا وبعد غد، وأن للكرسي في مثل هذه الحالات مرارته وضريبته الغالية...