تطرق الإعلامي والسياسي البارز في حزب جبهة التحرير الوطني، محمد بوعزارة، في مذكراته التي أصدرها مؤخرا، عن منشورات ”دار الأمة”، بالعاصمة ووسمها ب ”مسيرة حياة.. من الخيمة إلى البرلمان”، إلى أهم وأبرز المحطات التي عايشها الكاتب في المشهد الإعلامي والسياسي الجزائري كطرف فاعل فيها في بعض المحطات وكشاهد في محطات أخرى. عبر صفحات هذا المؤلف، الذي قدمه الروائي واسيني الأعرج، يسافر القارئ إلى خبايا المشهد السياسي الجزائري والمشهد الإعلامي وحتى الثقافي، باعتبار صاحب العمل كان نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني مكلفا بالإعلام والثقافة، ما جعله يحرص على تخصيص الحيز الأكبر في هذا العمل لمساره الإعلامي أكثر من المسار السياسي، دون أن يهمل هذا الجانب خاصة وأن توزيع هذا العمل الذي يرتقب أن يوقعه في ال 6 من شهر ماي الداخل، بفندق السفير بالعاصمة، يأتي في وقت حرج يمرّ به الحزب العتيد الذي يشهد عدد من الانقسامات والشتات في مختلف هياكل وبين قادته، وقبل ذلك عرّج المؤلف في مذكراته على علاقته بالسياسة وبالانتخابات بدءا بترؤسه عام 1982 للمؤتمر الثالث لاتحاد الصحفيين الجزائريين بقصر الأمم في نادي الصنوبر والذي شهد انتخابه في القيادة وعين مكلفا بالإعلام والثقافة، مرورا بخوضه لغمار أكثر من انتخابات تشريعية وانتخابه نائبا عن ولاية الأغواط لعهدتين اثنتين في 1997 و2007، وتزكيته نائبا لرئيس المجلس الشعبي الوطني من قبل زملائه النواب في كتلة حزب جبهة التحرير الوطني في نهاية العهدة النيابية السابقة 2007 و2012، ونضاله في الحزب ونشاطاته في الحقل السياسي، حيث عبّر المؤلف عن آرائه في مختلف القضايا الهامة التي عصفت بالحزب العتيد وزحزحت رجاله الأوفياء من قمة الهرم إلى أسفله خاصة في زمن طغت فيه لغة المال على لغة النضال وهي الحالة التي أدخلت حزب جبهة التحرير الوطني إلى نفق الظلام الذي يقبع فيه الحزب منذ سنوات، حيث حرص بوعزارة على تقديم آراء تعكس تركيبته السياسية ورؤيته للأحداث التي عصفت بالحزب وبالمشهد السياسي العام للجزائر باعتبار أن الأفالان لطالما كان أكبر وأعرق حزب شهدته الجزائر. هذا وتتضمن هذه المذكرات مختلف المراحل التي عاشها الكاتب منذ ولادته بمدينة الجزائر ثم مرحلة الطفولة ببادية الأغواط وعودته من جديد إلى مسقط رأسه بمدينة الجزائر، ومن ثمة دراسته المتأخرة إلى غاية حصوله على شهادة الليسانس في الصحافة عام 1974. كما تتطرق المذكرات كذلك إلى دراسته في كونسرفاتوار مدينة الجزائر وحصوله على دبلوم الإلقاء الصوتي والتمثيل على أيدي مجموعة من رجالات المسرح الجزائري من أمثال محي الدين باش تارزي ومحمد الطاهر فضلاء وعلال المحب وغيرهم. وترصد مراحل انضمام الكاتب منذ مرحلة الطفولة المبكرة للإذاعة الوطنية والتلفزيون بدءا ببرامج الأطفال عام 1965 والتمثيل وكذا تدرجه في العمل الإذاعي من مذيع عام 1971 إلى صحفي محرر في 1973 ثم رئيسا للتحرير ونائب مدير للإذاعة في 1982 قبل أن يعين عام 1986 مديرا لمحطة التلفزة الجهوية بورڤلة ثم مديرا لمجلة الشاشة الصغيرة التي أشرف على إصدارها لصالح مؤسسة التلفزيون في 1995. كما يتطرق الكاتب الصحفي محمد بوعزارة، إلى قصة علاقته بالكتابة منذ مرحلة الطفولة وولعه الدائم منذ ستينيات القرن الماضي بالقراءة والكتابة كواحدة من وسائل التعبير عن الكثير من المسائل المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا، وتوضيح المواقف والرؤى من بعض القضايا بل واعتبار الكتابة بمثابة الأوكسجين والوجود لديه، هذا ويسلط الكاتب الضوء في هذه المذكرات على ميلاد الحركة التصحيحية لحزب جبهة التحرير الوطني في 2003، ودوره فيها وعلاقته مع عدد من رجالات الفكر، السياسة والفن في الجزائر وخارجها. وتحتوي المذكرات على مجموعة من القصص والأحداث المثيرة خاصة بالنسبة لمرحلة الطفولة يسردها الكاتب في شكل مشوق ويرجح أن يقدم لهذا العمل الروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج الذي تربطه بالكاتب محمد بوعزارة علاقة حميمية. كما يشمل المؤلف، عدد مهم ومعتبر من الصور للكاتب رفقة عدد من الشخصيات البارزة في المشهد الوطني والدولي والتي جمعته بهم لقاءات في مختلف مراحل حياته، وخصص جزء من صفحات العمل الذي جاء في حوالي 400 صفحة من الحجم العادي، للحديث عن هذه الشخصيات. ويعتبر مقدم العمل، الدكتور واسيني الأعرج، أنّ بوعزارة لطالما عرف بجرأته وبمتابعته لتفاصيل الحياة السياسية للجزائر من خلال مقالاته المختلفة وكتبه التي قدمها للمكتبة الوطنية، وهو اليوم من خلال هذا العمل يضعنا اليوم أمام سلسلة من الأسئلة التي نخاف من مواجهتها بالشكل الذي يليق. ويؤكد واسيني أن المؤلف اختار بعد كل هذه السنوات والعمر أن يكشف لنا لا عن الصحفي المتمرس والمهني والسياسي المتميز ولكن عن الإنسان المختفي الذي لا يعرف عنه إلا القليل، هذا الرجل وهذا المثقف، -يضيف الأعرج في مقدمة العمل-، الذي قبل أن يعتلي البرلمان ويجلس في ظل قبته كان إنسانا لم تكن الأقدار سخية معه دائما وسهلة، وربما كانت هذه الصعوبات الحياتية هي الصانع الأساسي لتفاصيل حياة ستكون غنية ليس فقط بنشاط صاحبها ولكن أيضا بأفقه الإنساني، إذ ماذا يبقى في الإنسان المندثر سوى ذلك الأفق الإنساني الذي يظلم عند البعض وعند البعض الآخر يتسم بنور جميل، وهنا يختلف السياسي والسياسي الإنسان.