توصّل الباحثون في دراسة أُجريت مؤخرا إلى أنّ الكتب الورقية ستختفي في حدود سنة 2026، لتحل الكتب الإلكترونية محلها، تخيلوا معي كتبا لا نحملها معنا إلى كل مكان، كتبا لا رائحة حبر فيها، كتب لا يمكن أن نلمس أوراقها، ولا أن ندس فيها رسائل لمن نحب. هذه الكتب الإلكترونية ستأتي مع خاصيّات عديدة مؤثرات صوتية أو بصريّة قد تنبهنا مثلا إلى الوقت الأمثل لقراءة رواية أو قصة: ”للحصول على أكبر متعة ممكنة اقرأ هذه الرواية صباحا على الريق قبل أن تقابل أي شخص، قبل أن يتعكر مزاجك”، أو ”تفادى قراءة هذا الكتاب وأنت سعيد قد لا يعجبك”، وربما ”تنبيه يحتوي هذا الكتاب على مشاهد مرّوعة ينصح لذوي القلوب الضعيفة والنساء الحوامل اجتياز الصفحة كذا وكذا”. قد تخترع لوجسيالات أدبية تساعد على الكتابة، تدل الكتّاب على الكلمات المناسبة، قد تختصر عليهم الوقت للعثور على أخرى عجزوا عن إيجادها، قد تمكنهم من وزن بيت شعر لم يستطيعوا ضبطه، وربما دلّتهم على قائمة تخريجات لمآزق الكتابة قد تعرض عليهم نهايات عظيمة وحبكات متقنة، وعقد لا يحلها حلاّل قد تأتيهم بشخصيات أسطورية مبهرة لا تقاوم. ماذا سيحدث وقتها؟ هل ستباع هذه اللوجسيالات ”حصريا” للكتّاب؟ أم سيشمل الأمر الهواة والراغبين في الكتابة أيضا؟ ماذا لو قُرصن اللوجسيال وأصبح يحمَّل بالمجان؟ سيصير الكلّ كاتب؟ ستُلغى جائزة نوبل للآداب وتتوقف البوكر لحدّة المنافسة؟ تخيلوا معي ”لوجيسيالا” آخر يحلِّل ما نقرأ، فيشير مثلا إلى إحدى العبارات هذه العبارة مستوحاة من رواية ”لمن تقرع الأجراس” لهمنغواي، تقليد واضح في الفقرة لأسلوب أحلام مستغانمي، الموقف أعلاه ورد في رواية ”غدا يوم جديد” لعبد الحميد بن هدوڤة، سبق إلى هذه الفكرة فيكتور هوغو في ”البؤساء”، البيت التالي تجد شبيها له في ”جدارية” محمود درويش، بيب بيب بيب.. إنك تقرأ نصا منقولا كليا، عد إلى النص الأصلي للمقارنة. أماّ المفاجأة الكبيرة، الخطيرة، المثيرة احبسوا أنفاسكم.. ”أبوليوس” لم يكن أول من كتب الرواية كما كنا نظن و”الحمار الذهبي” لم تكن إلاّ استيلاء رشيقا على كتّاب لا أعرفهم والذين استعاروا بدورهم من الكاتب الأول عفوا ما قبل الاوّل والذي لا أعرفه أيضا، هل سيستطيع اللوجسيال المحتمل إيجاد نص لم يستعر شيئا من نص آخر؟ هل سيفقد القراء ثقتهم بالكتاب وقتها؟ مادام في الأمر الكثير من الاستعارة، مادامت الكتابة تتم بالوجيسيال أيضا، أصدقكم القول ِخفت علينا كثيرا وأنا أتخيل أن الذي أكتبه قد يصير حقيقة يوما، أعزائي الكتّاب خافوا أيضا، أنتم من تحبون القراءة كذلك، من يدري ربما بعد 2026 سيكتب أحدهم عن موضوع الساعة ”لوجيسيال أدبي” بيب بيب بيب ”قديمة”، ذكر الموضوع في جريدة الفجر سنة 2013... حنان بوخلالة