منذ أن تكلم فرانسوا هولاند الأسبوع الماضي عن مرض الرئيس، لم نعد نسمع تطمينات من مسؤولين جزائريين، ولا كلاما عن عودته القريبة إلى البلاد لمباشرة مهامه، بل إن صحفا دولية أكدت على لسان مصادر لم تفصح عن أسمائها أن بوتفليقة قد لا يعود إلى مهامه حتى وإن كانت صحته بخير. إن صح هذا الطرح الذي لم تعلق عليه الأطراف الداخلية التي كانت تدعي أن الرئيس سيواصل مهامه حتى الرئاسيات المقبلة، فإن تساؤلات عدة تفرض نفسها، وأولها من له صلاحية الإقرار بالشغور، مادام المجلس الدستوري مكبلا بقوانين يستحيل معها اتخاذ هكذا موقف؟! لكن السؤال الذي يطرح نفسه أكثر هو إن لم يكن مرض الرئيس وغيابه كل هذه المدة، التي قد تطول أكثر، فضح النظام الرئاسي المطبق في بلادنا؟ والذي زاد من تركيز كل الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية تعديل دستور 2008، عندما ألغي منصب رئيس الحكومة، وعوض بمنصب الوزير الأول! الأمر الذي يكون حدد من صلاحيات الوزير الأول عبد المالك سلال الذي يحاول جاهدا سد الفراغ الذي تركه غياب رئيس الجمهورية، لكنه من جهة ثانية وضعه أمام معضلة دستورية، إذ لا يحق للوزير الأول القيام بكل المهام الموكلة دستوريا للرئيس. صحيح أنه يمارسها اليوم بشكل عرفي، لكن إلى أي حد يمكن أن تسير دولة بكل مؤسساتها بشكل عرفي دون أن تقع في خطأ الدوس على الدستور والقوانين الأخرى. فمهما كانت جدية عبد المالك سلال وتفانيه وصدق نيته في سد الفراغ، وحراسة البيت - على حد قوله - حتى يرجع صاحبه، فإنه لا يمكنه ترؤس مجلس وزراء، ولا تقليد دفعات الجيش الرتب، ولاتوقيع الترقيات التي تبقى من صلاحية رئيس الجمهورية ووزير الدفاع وحده. فهل ستجمد وزارة الدفاع الترقيات إلى غاية قدوم رئيس جديد بعد سنة؟ وإن كانت مسألة الترقيات في هذه المؤسسة لا تعرقل سيرها، مثلما هو الشأن بالنسبة للمؤسسات الأخرى وبالنسبة لمراسيم القوانين التي لن تطبق إلا بإعطاء رئيس الجمهورية الضوء الأخضر بتوقيعها. ها هو مشكل مرض الرئيس، طال أم قصر، يطرح بجدية مسألة النظام الذي يجب أن يسيّر البلاد مستقبلا، ولم لا يعاد النظر فيه مادام هناك تعديل دستوري مستقبلا، التعديل نفسه الذي يبدو أنه أجل إلى أجل غير مسمى لنفس الأسباب؟! فلو أن الرئيس لم يركز كل الصلاحيات في يده لما وجدت الدولة نفسها اليوم في ورطة. ولذلك على المكلفين بإعادة النظر في الدستور وعلى المعارضة خاصة أن تطالب بإلحاح بتطبيق نظام يعطي صلاحيات أوسع لرئيس الوزراء، بحيث يكون من حقه ترؤس مجلس وزراء مثله مثل الرئيس، ويوقع على المراسيم حتى لا يعرقل سير المؤسسات. على الرئيس المقبل أن يأخذ العبرة من قضية مرض الرئيس ويقبل بتقاسم الصلاحيات حتى لا يكون سببا في جمود بلاد بكاملها مثلما هو حاصل اليوم.