”هاهو رمضان قد حل علينا ببركاته”.. هكذا كانت أول كلمات الحاجة حورية، التي وجدناها منكبة على طاولة البهارات بالحي العتيق بالمدينة القديمة السويقة. فبمجرد ولوج السويقة تهزك رائحة البهارات وصياح الباعة.. هناك الأسعار مقبولة وتنافسية حقا. الحاجة حورية قالت إنها تستقبل الشهر الفضيل ككل العائلات القسنطينية، مضيفة وهي تشتم رائحة الكمون تارة وراس الحانوت تارة أخرى لتتأكد - كما قالت - إن كانت هذه التوابل طازجة.. هكذا تعلمت من أمها. وأضافت أن ما تبدأ به النسوة هو التجهيز لمؤونة هذا الشهر المبارك أسبوعا قبل حلوله، حيث تقوم بشراء كل المستلزمات الضرورية بداية بالقمح لإعداد طبق ”الجاري” الذي لا غنى عنه ليطحن ويصبح ”فريك”، حيث تعرف محلات طحن القمح بالمنطقة المعروفة باسم ”الشط” بذات الحي اكتظاظا كبيرا من قبل الزبائن. ورغم توفره جاهزا في الأسواق و”السوبيرات” إلا أن العائلات القسنطينية تفضل شراء القمح وتنظيفه بالبيت وتجفيفه ثم طحنه لدى أصحاب الاختصاص، وهذا حسب العادات التي تركها الأجداد، حسب الحاجة حورية.. زيادة على شراء التوابل بكل انواعها التي تضفي لذة أكثر على الأطباق التي تتفنن في إعدادها النسوة في شهر رمضان بين المالحة والحلوة، حيث قالت إحدى السيدات اللاتي تحدثنا اليهن أن القرفة والزنجبيل والكزبر أصبحت جد ضرورية لإعداد بعض الأطباق التي لا تخلو منها مائدة إفطار رمضان، مضيفة أن ”كل المأكولات التي نحضرها أصبحت تباع جاهزة في الأسواق على غرار ”شباح الصفرا” التي كانت في وقت سابق تحضر في المنازل، لكن أصبحت اليوم تستهلك مباشرة من الأسواق وبأثمان مرتفعة وهذا بسبب ارتفاع سعر اللوز الذي تحضر به”. زهية، ربة منزل، قالت إنها قامت بالتحضير للشهر الفضيل باقتناء بعض المستلزمات من ”السوبيرات” لأن عملية تحضير المخللات والحميص والسلطة المشوية، يكلفها جهدا إضافيا هي في غنى عنه لأنها أم لأربعة أولاد، وأنها تستقبل كل شهر صيام والدي زوجها لقضاء هذا الشهر معها. لهذا تقول زهية ”أستعين بالأمور الجاهزة ويبقى ما أعده من أطباق تقليدية في المنزل يفي بالغرض، فهذا الشهر شهر عبادة و ليس للأكل فقط”. وهناك عائلات تستعد لهذا الشهر بدهن جدران المنزل من باب ”الفال” واستقبالا له بحلة جديدة، إضافة إلى اقتناء أواني منزلية جديدة تفاؤلا بهذا الشهر المبارك. فعند تجولنا داخل الأسواق والمحلات الخاصة بالأواني لاحظنا إقبالا غير معقول على أطقم الصحون والكؤوس ذات الألوان الزاهية التي تجلب الأنظار وتضفي جمالا على مائدة الإفطار، ناهيك عن أطقم الصحون الطينية التي أصبحت - كما تقول السيدة جميلة - دارجة على الموضة.