والصح هو القول بأن أمريكا زرعت وحان قطاف وجني ما زرعت، ففي ظل الغياب العربي المطلق وفي ظل ربيع أمريكا وإسرائيل في المنطقة العربية وفي ظل تدجين الإسلامويين وإخضاعهم، يظهر كيري على الحلبة كفارس الميدان يصول ويجول : مصر الكبرى مشغولة بلملمة جراحها بعدما تمكنت أمريكا من إحداث ذلك الشرخ العظيم في جبهتها الداخلية، ذلك أن أمريكا التي أوصلت الإخوان على ضعفهم إلى السلطة بعدما كبلتهم بصفقات مشبوهة باتوا بعدها عاجزين عن رفع رؤوسهم ثم تركتهم لقمة سائغة لخصومهم، ذلك أنهم أخطأوا ولم يحسنوا التصرف وكيف يحسنون التصرف وهي التي كبلتهم بقيود من حديد ؟ أما تونس وليبيا فقد تم تدجينهما في الوقت الذي لا يمكن فيه الحديث عن سوريا بعدما قصفتها أمريكا بحلفائها الإسلامويين وقد أتخنوا فيها الجراح حتى باتت في حكم الغائب أو المغيب أو فاقد الوعي ؟ ودعنا من دول الخليج المدجنة أصلا والسائرة في ركاب أمريكا بعدما أعلنت الطاعة العمياء لها، وفي هذه الأثناء تمكنت أمريكا بواسطة حلفائها العرب من الإبقاء على الانقسام في صفوف الفلسطينيين في الوقت الذي تم فيه تكبيل محمود عباس باتفاقات أمنية وتنسيق مخابراتي مع العدو الصهيوني وتنازل صريح عن حق العودة، أما حماس فإنها هي الأخرى بعدما ورطها خالد المطفي في الحدث السوري أخذت تلهث لما أصابها من جراح نتيجة الانقسامات التي لحقت بصفوفها ولم يعد بالإمكان إخفاؤها.. إذن العرب في حالة غياب مطلق أو رقاد لا صحوة بعده فتمكنت أمريكا الصانعة والخالقة لما وصفته هي ذات يوم بالفوضى الخلاقة الخناقة وشهرت المبادرة العربية التي رفضها الفلسطينيون عندما كانوا في حالة الوعي، وتظاهرت إسرائيل برفضها، اليوم تشهر أمريكا سيف هذه ”المبادرة” التي ضخت فيها الروح وبعثت فيها الحياة وأخذت تلوح فيها في الوقت الذي أخذت بعض الأصوات الفلسطينية تظهر على استحياء وترتفع وهي مبحوحة لترفضها، ولكن ما لم تقف معها سوريا وبعض العرب فإنها على ما يبدو لن تستطيع مقاومة التيار، ذلك أن أمريكا وعلى مدى عام أو بعض العام قد خططت للإجهاز على ما تبقى من القضية الفلسطينية بشكل كامل، دون أن يظهر في الأفق أي مؤشر على الرفض العربي وعلى أي أثر للاءات الخرطوم الثلاث التي ذهبت مع الريح ويبدو أنها لن تعود على المدى المنظور، إذن فإن جون كيري عرف كيف يتحرك في الوقت المناسب وهو لن يفوت الفرصة، فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟