في الوقت الذي يوشك أن يكون فيه جون كيري مقيما بشكل دائم في المنطقة العربية، يذرعها مابين القاهرة وعمان والحجاز جيئة وذهابا ويراقب الأحداث عن كثب، وإذا ما شغل لحاجة طارئة فإن نوابه ينوبون عنه فضلا عن السادة السفراء الناشطين جدا في مجالات السهر لا على المصالح الأمريكية بل على المصالح الإسرائيلية، وهذا ما بات واضحا جليا على جميع المستويات، وفي الوقت الذي تلتهب فيه المنطقة العربية بفعل ما وصفوه بالربيع العربي وهو خريف قاتم وهو ما صنعته المخابرات الأمريكية، ليكون تجسيدا لما وصفوه بالفوضى الخلاقة وهي الخناقة بالنسبة لنا، في هذا الوقت يقول كيري بالحرف الواحد : إن الفجوات بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد ضاقت جدا وعلى الإسرائيليين أن يعترفوا بما يسمى بالمبادرة العربية ليصار إلى توظيفها... إلى هنا ونتوقف عن الحديث لنفسر ما قاله كيري ونفصل الحديث فيما اعتمد عليه، نعم إن الفجوة ضاقت ولم تكن في يوم من الأيام لتضيق كما ضاقت هذه الأيام وكيري يؤكد على أن الفلسطينيين هم الذين ضيقوها فكيف ولماذا ؟ وهذا هو المهم فنقول بأن التنازلات الكبيرة التي تتسع دائرتها يوما بعد يوم بعدما رسم فيها ياسر عرفات خريطة الطريق ويوم أن تم تنصيب ما يسمى بالسلطة الفلسطينية التي استجابت لكل الطلبيات الصهيونية وخضعت لكل الإملاءات ونسقت أمنيا مع العدو، بعد هذا ضاقت الفجوة ثم جاءت المبادرة التي وصفت بأنها العربية ولم تكن إلا أمريكية وقد خلت من عبارة حق العودة حتى استدركها الرئيس اللبناني إميل لحود وتم إقحامها بعد إحراج شديد لمن تبناها ثم رفضتها إسرائيل، وجاء من يتعهد لها بحذف العبارة التي أزعجتها وكانت كما يقولون بإيعاز من حزب الله ثم نامت هذه ” المبادرة ” حتى دخلنا في دوامة الربيع العربي الإخواني وهنا نتوقف كثيرا ولا بأس من إطالة الوقوف لأن الإخوان تعهدوا بشرعنة كل الاتفاقات مع إسرائيل بعدما أفتوا بجوازها ثم جُرت حماس إلى الارتماء بكل هذه الصفقات الإخوانية، لأنها أصبحت جزءا منها ووقعت الحرب على سوريا في هذه الظروف البالغة التعقيد يعلن كيري ما أشرنا إليه وهو مطمئن، وهو الذي لم يتحدث عن أحداث سوريا ولا عن أحداث مصر وتونس وليبيا لأن ما أراد الوصول إليه قد تحقق بالفعل وما على إسرائيل إلا اهتبال الفرصة والانخراط فيما انخرط فيه الإخوان لتحيا إسرائيل بيهودية الدولة آمنة مطمئنة وليخرج العرب كل العرب من مسيحيين ومسلمين من فلسطين كل فلسطين وقد سقط الشعار الكرتوني الذي طالما رفعه العرب وهو الداعي إلى تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر حتى البحر وقد قذف بهذا الشعار إلى البحر وفي سلة المهملات، فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟