تتحمل ”حياة ”، على مدار أيام السنة، قر الشتاء ولفح الصيف على قارعة طريق من أجل بيع حبات من البيض لإعالة نفسها وخدمة والدتها الطاعنة في السن. هذه الصورة المؤلمة استوقفتنا من عمق الجزائر، ونحن نستعمل الطريق الولائي رقم 09 الرابط بين جنوب ولاية سطيف والمنطقة الحدودية لولاية باتنة، حيث يلاحظ الجميع وجود فتاة على قارعة الطريق بمنطقة تسمى ”الطرونشي” تابعة إداريا لبلدية القصبات بولاية باتنة، وهي تحمل في يدها كيسا يحوي حبات من البيض تعرضها للبيع، حيث ما إن تتوقف مركبتك على حافة الطريق حتى تهرول أملا في بيع بعض مما تحمله، ملامح وجه حياة ترتسم عليه معالم البؤس والشقاء والفقر المدقع، ولا يمكن لك أن تتصور إطلاقا أنك أمام شابة في الثلاثين من عمرها، بحكم التجاعيد التي ملأت وجهها النحيف والشيب الذي غزا شعر رأسها، بفعل ثقل السنين وحجم المعاناة التي تكابدها منذ زمن طويل، وعلى ظروفها العصيبة جدا تبدو حياة بمنظر الفتاة اللبقة التي علمتها الدنيا، فقد اكتسبت الكثير من التجارب وهي تنحني متكئة على أبواب آلاف السيارات. وعلى عجزها تقف والدة حياة العجوز على مرمى حجر منها، تنظر إلينا ونحن نتجاذب معها أطراف الحديث، نظرة تجمع بين حرقة الأم التي تندب واقع فلذة الكبد، التي طلقت أنوثتها في سبيل لقمة العيش، وبين نظرة الحارس الوفي على الابنة خوفا أن تسوق لها الأقدار يوما من لا يقدر الوضع وتتجاوز مطالبه حبات البيض. وعلى نظرات العجوز تروي ل”الفجر” حياة واقعا معيشيا قاهرا، تنعته بالمر تارة وتصفه بالقاسي تارة أخرى، لتعود وتتنفس متمسكة بالمكتوب، حيث تؤكد بأنها يتيمة الأب، ولا تملك إلا أخا واحدا لم يمنعها يوما من بيع البيض، فهو عاجز حتى عن التكفل ببناته، تقول حياة، التي لم تعد تفكر كما تفكر كل فتيات العالم، فالحلم عندها قد توقف، وهذا بدا جليا وهي تجيبنا حول موقفها لو تقدم من يطلب يدها، حيث ضحكت من كلامنا ساخرة.. ”ومن يتقدم ليطلب يد فتاة مثلي، وتعيش ظروفا كظروفي”، وبهذه الكلمات وبشفاه تتمتم سخرا، وتبتسم إرضاء لنا، توقفت حياة عن الكلام، لأن والدتها كانت تصيح من بعيد لتلفت انتباهها لصاحب شاحنة توقف ليشتري منها حبات من البيض . ونحن نودعها قالت إنها رغما عن الإنهاك والملل من الحياة، إلا أن لقمة العيش ستجبرها على العودة غدا وبعد غد، والذي بعده إلى قارعة الطريق، و رغم كل هذا الألم الذي تقهره بين ضلوعها حتى لا يراه الناس، تحمل حياة بصيصا من الأمل فقد يطل عليها ذات يوم فجر جديد يغير مجرى حياتها.