هناك إجماع صحفي على أن التغييرات التي قام بها رئيس الجمهورية في جهازي الجيش والحكومة يراد من ورائها تهيئة الظروف لعهدة رئاسية رابعة. لكن هل يكفي أن تجمع القراءات الصحفية على أن بوتفليقة يريد عهدة رابعة، لتكون هناك عهدة رابعة وينجح الرئيس في تمريرها؟ مع أن هناك مصادر داخلية وخارجية ترى أن الحديث عن عهدة رابعة لا معنى له في هذه الظروف، مهما عزز الرئيس من صلاحياته ومهما وضع رجاله في مفاصل الدولة، وأن الرئيس لن يترشح لهذه العهدة التي ليس له من جديد يقدمه فيها ليقنع المواطنين بالذهاب إلى الصناديق والتصويت له. فالرئيس لن يترشح، ليس فقط حفاظا على المسار الديمقراطي، ولا على الوعود التي قطعها أمام بعض العواصم أيام ثورة الربيع العربي، ولا لأن حالته الصحية المتدهورة لا تسمح بذلك، بل لأن الرئيس ملزم قانونا بإعلان نيته للترشح مثلما فعل في المرات السابقة، حيث كان في كل مرة يعلن ترشحه في خطاب طويل عريض يشرح فيه برنامجه وأسباب رغبته في الفوز بفترة رئاسية أخرى. ولكي يعلن عن نيته لابد أن يكون لديه مشروع وبرنامج مثلما كان ذلك في العهدات السابقة، حيث كانت أولوياته في الفترة الرئاسية الأولى، القضاء على الإرهاب وتحقيق المصالحة الوطنية بعد عشرية المجازر التي عرفتها البلاد، وأن يعيد الجزائر إلى مكانتها الدولية، بعد الحصار الذي كان مضروبا عليها بسبب أوضاعنا الأمنية الداخلية، وقد نجح الرئيس في وعده هذا، وها هي البلاد تنعم بالأمن. وكان التحدي الذي رفعه في عهدته الثانية هو بعث الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته بعد الجمود الذي عاناه جراء أزمة الثمانينيات، وما تعرضت له المؤسسات الاقتصادية من تخريب أثناء الأزمة الأمنية، وقد نجح نسبيا في هذا التحدي وساعده على النجاح ارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية، لكن بعث بعض النشاطات الاقتصادية بفضل مداخيل النفط، صاحبته أيضا ظاهرة فساد مقلقة، ونهب للمال العام غير مسبوق، وهو التحدي الذي رفعه الرئيس ليبرر عودته إلى الرئاسة من خلال عهدة ثالثة. فإلى جانب وعوده بمحاربة الفساد، وإعادة هيكلة الدولة، وعد بتعديل معمق للدستور، الذي عدله ليسمح له بالترشح لعهدة ثالثة وأيضا حل الغرفة الأولى للبرلمان التي لم يعد هناك مبررا لوجودها. لكن ها هي العهدة الثالثة تشرف على نهايتها، والرئيس لم ينفذ كل هذه الوعود، باستثناء إعادة الهيكلة التي قام بها الأسبوع الماضي في المؤسسة العسكرية، لكن في المقابل اختفى الحديث عن تعديل الدستور نهائيا من ساحة النقاش. ربما تكون أحداث الربيع العربي التي اندلعت من حدودنا الشرقية هي التي جعلت الرئيس يعطل هذه الورشات لضمان حماية الدولة، التي وبفضل المصالح الخاصة تجنبت البلاد الفوضى التي تعيشها الآن بلدان عربية أخرى. لكن لم يبق أمام الرئيس من مبرر لكي لا يمضي في تطبيق ما وعد به، ولن تكفي الأشهر القليلة المتبقية ليقوم بتعديل الدستور وهيكلة البنوك، وفي نفس الوقت محاربة الفساد. فإن كان المرض هو الذي عطله، ألا يعطله عن خوض عهدة رابعة؟ فلم يكن المطلوب من الرئيس فقط تعديلات حكومية شبيهة بلعبة شطرنح ترفع قطعة من خانة لتضعها في خانة أخرى، وإنما إعادة النظر في طريقة توزيع الثروة، وإيجاد طريقة لإيجاد حلول فعلية ودائمة لمشاكل الجزائريين، وليس فقط الاستعانة بمداخيل النفط لإطفاء نار الاحتجاجات. فهل هذا ما سيعد به الرئيس مرة أخرى؟!