الذل والطمع يقول ابن عطاء الله السكندري:”ما بسقت أغصان ذل إلاّ على بذر طمع” الإسلام هو السبيل الوحيد الذي لا بديل عنه، إلى التحلي بالعزة الحقيقية التامة، ولكن ما الدليل على أن الإنسان لن يجد عزته التامة إلا في رحاب الإسلام؟ إن مبنى الإسلام على عقيدة التوحيد،أي على اليقين التام بأن لهذا الكون إلهاً واحداً لا ثاني له. هو الله عز وجل.. واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله. فهو وحده النافع، وهو وحده الضار. وهو وحده المعطي، وهو وحده المانع، وهو وحده المحي وهو وحده المميت وهو وحده القوي، وكل ما سواه ضعيف، وهو وحده الغني وكل ما سواه فقير. ومن المعلوم أن سائر الطاعات والعبادات السلوكية، إنما شرعت دعماً لهذا الاعتقاد وحماية له من تسرّب أي من عوامل الشكوك إليه. فإذا أيقن الإنسان بهذه الحقيقة،وتشبع عقله بها، فسوف يتجه بحاجاته كلها، على اختلافها وتنوعها، إلى إلهه هذا الذي أيقن أن بيده هو كل شيء وأنه الملاذ لكل شيء.. ولا ريب أنه بمقدار ما يتجه إليه، عارضاً عليه حاجاته يسأله قضاءها، ينصرف عن غيره أياً كانوا، فلا يتعلق منه الطمع بأي منهم، ولا يذلّ أو يهون لأحد منهم، ولا يداخله خوف من عدو متوعد،ولا رجاء من كريم متفضل. فهما إذن كفتان متقابلتان من ميزان واحد:إن رجحت كفة التذلل لله و الافتقار إليه،طاشت كفة التذل للأغيار،فانعتق صاحبها من التذلل لهم وتحرر من الافتقار إليهم. وإن طاشت كفة التذلل لله بأن غاب عن يقين صاحبها أن له مولى واحدًا بيده كل شيء، وهو الله، لابد أن ترجح عندئذ كفة التذلل للآخرين، فيلهث صاحبها وراءهم، يوزع فيما بينهم رجاءه وخوفه وأطماعه، ويقدم بين يدي ذلك لهم كل ما قد يملكه من معاني ومظاهر الذل والمهانة والانكسار،على قدر طمعه فيهم ومخافته منهم. وبقدر ما يكون المرء جادّاً في إيمانه بالله ووحدانيته،ذا يقين فعّال في كيانه،تكون هذه الحقيقة جلية واضحة في حياته. فلولا الطمع لما ذل إنسان لإنسان مثله.. الطمع في مزيد من المال يجمعه، أو رتبة يتبوؤها، أو شهوة من شهوات النفس ينالها.. ولا ريب أن ذل الإنسان للإنسان مهانة تناقض الكرامة التي ميز الله الإنسان بها، وتسيء إلى الخلعة التي خلعها عليه إذ قال له:{ولقد كرَّمنا بني آدم}. فكيف السبيل إلى أن يتحرر من هذه المهانة، وإلى أن ينسجم مع التكريم الذي اختصه به؟ إن الله فطر الإنسان على احتياجات أطمعه فيها.قال تعالى:{زُيِّن للناس حُبُّ الشَّهوات من النِّساء والبنينَ والقناطير المُقنطرة من الذهب والفضَّة والخَيل المسوَّمة والأنعامِ والحرث}(آل عمران). إذن فلا سبيل إلى اجتثاث الطمع في الإنسان في هذا الذي أطمعه الله فيه. فما السبيل إذن إلى أن يتحرر الإنسان من الذل لمن هو إنسان مثله (مع بقاء طمعه في المال وذيوله)؟ سبيل ذلك أن يتحقق الإنسان بالتوحيد يقينا في العقل ووجداناً في القلب، فهو يظل طامعا بالمال، ولكنه يصرف طمعه إلى من يعلم أنه هو وحده القادر على أن يمتعه به، ويظل طامعاً بشهواته ورغائبه الغريزية، ولكنه يتوجه بطمعه هذا إلى من إلى من قد فطره على تلك الغرائز.. فدور الإيمان الحقيقي بوحدانية الله تعالى، أنه يصرف وجهة الطمع في الإنسان من التعلق بإنسان مثله، إلى التعلق بمولاه ومالكه الذي بيده هو تحقيق رغباته وإشباع أطماعه.. وكلما ازداد الإنسان طمعا بمولاه ازداد تحققا بمعنى العبودية له، وازداد تذللا بين يديه وانكسارًا على بابه، فهو طمع محمود وقربة مبرورة.. المرحوم الشيخ سعيد رمضا ن البوطي