إنه من أمثال العرب الوارد في كليلة ودمنة، وحكايته أن حية قتلت أحد الرعاة في بعض الوديان فغضب له أخوه وأخذ يترصد الحية حتى خرجت، فظهر لها وحاول قتلها إلا أنها تمكنت من محاورته وإقناعه بأنها سوف تدفع له كل شهر مئة دينار فيما لو عاهدها على الصلح، وأبرم الإتفاق وذات يوم تذكر الرجل أخاه الذي كانت الحية قتلته فثار وقرر قتلها وبينما هي خارجة لتدفع له المئة دينار عاجلها وأهوى عليها بضربة من فأسه إلا أنها لم تكن قاتلة ونجت منه، ومرت أيام ندم الرجل خلالها على فعلته فقرر معاودتها وتجديد عهد المصالحة، ولما خرجت عرض عليها المعاهدة من جديد فرفضت وأرسلت ذيلها وقالت له أاعاهدك وهذا أثر فأسك فذهب القول مثلا.... وحكايتنا مع إسرائيل هي نفس هذه الحكاية فالفلسطينيون الذين هجروا من وطنهم وأبيدت منهم أعداد هائلة وضربوا بالنابالم والطائرات وهدمت قراهم ومدنهم وتم أسر شبابهم وانتهكت حرمات نسائهم واحتلت أرضهم أو بقايا ما ترك لهم من أرض وما زالت غزة محاصرة والقتل يستحر بهم كل يوم، ومع هذا نجد أن البعض من أهلنا وعلى الأخص السلطة في رام الله ما زالوا يتحدثون عن الصلح والمفاوضات والمسالمة وما يصفونه أو يحلو لهم بأن يصفوه بالحل الأخير والدائم لقضيتهم، والغريب في الأمر أننا نحن من يمثل الحية في الحكاية أو هكذا ينبغي أن يكون وإسرائيل هي من يمثل الرجل الغادر، ولكننا نقلب الآية ونتساءل بجد وحزم أنعاهد إسرائيل وهذه آثار جرائمها في كل بيت وفي كل شبر من ثرى فلسطين وفي كل صفحة من صفحات تاريخنا الذي ملئت صفحاته بالحديث عن جرائمها ومؤامراتها وخداعها ؟ وأي يوم يمر من أيام الفلسطينيين ولا يودعون فيه شهداء بالجملة ولا يسقط لهم جرحى بالعشرات ولا تهدم منازلهم ؟ نحن في حيرة من أمرنا لأننا الأكثر قبولا لشروط العدو وهو الأكثر رفضا لمطالبنا والغريب أيضا أن حماس التي دخلت ميدان الكفاح المسلح وكانت متقدمة فيه على فتح نراها وقد وقعت في أفخاخ إخوانية بحيث تنكرت للأصدقاء وتقربت من الأعداء وحلفاء إسرائيل... إنه لمن العيب أن بعض الفلسطينيين لم يحسموا أمرهم حتى اللحظة في تحديد العدو أو التمييز بينه وبين الصديق، وقد وقعت بطريقة صارخة وبالرغم من الكشف على طبيعة الفخ ومكمنه إلا أنها مازالت موغلة دون وعي في نفق أخطائها التي نرجو لها الوصول إلى الطريق المؤدي إلى خلاصها من عواقب أخطائها لأن القضية الفلسطينية لا تحتمل التجربة بعد اليوم ولا تقبل التردد، لأن التجارب المرة كافية لإتضاح الرؤى وزوال الشبهات والمساحات الرمادية.