تغرق قاعات شاي العاصمة في بحر من الفوضى واللامبالاة، اللتين تخولان لمالكيها انتهاك القوانين وفرض شروط وقواعد خاصة تتلاءم وتحقيق أرباحهم. فبين ارتفاع جنوني في الأسعار وإلزامية الطلبات، تبيح هذه الأماكن الكثير من المحظورات وتنتهك الحرمات، حتى أنها تبيح ذلك للقصر. موسيقى غربية وكليبات أجنبية غاية في الجرأة، ديكورات جذابة مستوحاة من قاعات ”الديسكو”، وفي بعض الأحيان لا يجد زائروها فرقا بينها وبين تلك الخاصة بالملاهي الليلية، التدخين مسموح، طلب الأكل والشرب واجبان، والتصرفات المخلة بالحياء غير ممنوعة، الأسعار ملتهبة.. هذه هي مواصفات أغلب قاعات الشاي بالعاصمة. أضحت قاعات الشاي أكثر الأماكن التي يتردد عليها الشباب في العاصمة في ظل غياب المرافق والأماكن المخصصة للتنزه وتبادل أطراف الحديث بين الأصدقاء والأحباب، فهي المكان الوحيد الذي يتمتع بالهدوء وإمكانية تناول المشروبات أو المأكولات في ذات الوقت. غير أن مالكي هذه القاعات والعاملين بها ينتهجون سبلا خاصة من أجل تحقيق نسب أرباح عالية، غير مبالين براحة الزبون ولا بالأعراف التي تميز مجتمعنا عن باق المجتمعات الأخرى. ولأجل ملامسة هذه الحقائق قامت ”الفجر” بجولة استطلاعية قادتنا لعدد من هذه الأماكن. الأسعار مضاعفة والطلبات تتجدد كل نصف ساعة يقوم مالكو قاعات الشاي بمضاعفة أسعار الوجبات والمشروبات بطريقة مستفزة، تدفع أغلب روادها رغم من يسر حالهم إلى الاحتجاج. وفي هذا السياق يقول منير مكاوي، مالك صالة شاي بديدوش مراد:”ما الفائدة التي يمكن أن نجنيها إذا قمنا ببيع المواد بذات السعر الذي توجد به في السوق، نحن نوفر إضافة للوجبات خدمة ومكان هادئ يمكنهم من البقاء المدة التي يشاؤون”. من جهته، يقول نادل بقاعة أخرى في نفس المنطقة:”لا يمكننا التعامل مع الأسعار بصفة مختلفة عن تلك التي ننتهجها، فإذا حاولنا تعديلها سيكون علينا حينها وضع تسعيرة خاصة للجلوس في القاعة، لاسيما أن هذا الأخير يستوجب تواجد مستمر لعمال يسهرون على راحة الزبون وضمان الخدمة المناسبة له”. ومن جهتهم استنكر بعض الزبائن هذه الأسعار، معتبرين أنها خيالية وغير متناسبة مع المنتوج والخدمة المقدمة، على حد تعبير كمال، 25 سنة، التقينا به رفقة صديقه بقاعة شاي محاذية لمبنى البريد المركزي، والذي أشار موضحا:”يكلفني الجلوس لساعة في قاعة شاي وارتشاف قهوة قيمة 5 فناجين من ذات الفئة، ورغم إدراكي أن الأمر نوع من أنواع الاحتيال، غير أن انعدام المرافق يدفعني لتقبل الأمر ودفع الفاتورة كما هي”. ومن جهة أخرى، يطرح شبان آخرون إشكالية أخرى تفرضها قاعات الشاي كذلك، وهي إجبار الزبون على تجديد طلباته كل نصف ساعة، بصفة تجعل الفاتورة تتضاعف باستمرار، الأمر الذي اعتبره مالكو هذه القاعات جد عادي، كونه يمكّن من النادل تحصيل قيمة خدماته، غير أن روادها اعتبروه بمثابة استفزاز لهم، لاسيما أن أغلبهم يضطرون لدفع ما يزيد عن 1000 دج مقابل كوبين أو ثلاثة من العصير أو القهوة، بل ويذهب آخرون إلى إلزام الزبائن تناول وجبات غذاء كاملة إذا صادف بقاؤهم الفترة الممتدة بين الساعة الحادية عشر والثانية زوالا. كل شيء مباح في قاعة الشاي حتى للقصّر يسمح القانون الداخلي في أغلب قاعات الشاي للشباب بفعل كل هو محظور عادة، فالتدخين بكل أنواعه والتصرفات المخلة بالحياء واستقبال القصر تعد ضمن الحريات المزيفة التي تتيحها قاعات الشاي لهؤلاء، لتصبح بذلك قاعات الشاي بمثابة أوكار للمراهقين والشبان الهاربين من أعين الناس لأجل قضاء أوقات يطغى عليها اللهو والعبث، التدخين بكل أنواعه وكل ما قد يخطر على البال من تصرفات غير أخلاقية، لتصبح بذلك هذه الأماكن محظورة على العائلات التي باتت تحاشى الدخول إليه تفاديا للإزعاج وخدش الحياء. وفي السياق يقول منير إنه يخجل من دخول قاعات الشاي رفقة أحد أفراد عائلته لما رآه من أمور مبتذلة تحدث هناك. ومن جهتها تقول نبيلة إن أهلها لا يسمحون لها بدخول هذه الأماكن مع صديقاتها، وذلك للسمعة السيئة التي تطبع قاعات الشاي لدى العائلات الجزائرية، فيما راح آخرون إلى التأكيد أن بعض الشبان المدمنين يقصدون هذه القاعات من أجل تعاطي المخدرات وتدخين الشيشة والحشيش، باعتبار أن السلطات عادة لا تفتش مثل هذه الأماكن، كما أن القائمين عليها لا يبالون أيضا. وخلال بحثنا عن رأي مالكي هذه القاعات في التصرفات اللاأخلاقية التي تحدث بها، أشار إلينا بعضهم أنه لا يمكنه التحكم بتصرفات الشبان لاسيما الراشدين منهم، معتبرا كل ما يمكن أن يقومون به لا يتجاوز كونه طيش شباب أو بعض من الحرية المسلوبة منهم في العادة، فيما أنكر البعض الآخر الأمر قطعيا، مؤكدين أن ما يقال لا يتجاوز كونه إشاعات مغرضة هدفها تشويه سمعة قاعات الشاي.