بعد الأزمة الديبلوماسية والحملة الإعلامية التي قادها المغرب في الأسابيع الماضية ضد الجزائر، ها هو جلالة الملك يحط الرحال بالبيت الأبيض، طمعا في دعم أمريكي له، خاصة في القضية الصحراوية، التي كثر الحديث بشأنها في الآونة الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بالدوس على حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، ما أدى بأمريكا إلى طرح آلية أممية لحماية حقوق الإنسان في المنطقة بعد الاعتداءات المتكررة على الصحراويين من طرف الأمن المغربي، وهو ما رأى فيه المغرب تخليا أمريكيا عن شريكه المتميز في شمال إفريقيا، خاصة منذ تولي جون كيري الخارجية الأمريكية، مما أعطى صدى للقضية الصحراوية في الأوساط السياسية الأمريكية. لكن من أية زاوية يمكن قراءة تصريحات البيت الأبيض التي صدرت قبيل استقبال العاهل المغربي في البيت الأبيض مساء الجمعة، التي قالت إن خطة المغرب في الصحراء الغربية للحكم الذاتي هي خطة واقعية وجدية وذات مصداقية؟ هل هي لتبديد تخوفات المغرب التي حملت ملكه على القيام بهذه الزيارة؟ مع أن أمريكا تعرف أن المغرب هو من يعرقل كل المساعي الأممية أمام أي حل لقضية الصحراء الغربية! الموقف الذي أغضب أمريكا، إلى جانب مآسي حقوق الإنسان المسجلة دوريا في الأراضي الصحراوية المحتلة؟ لكن هل تساءل البيت الأبيض حول موقف الصحراويين من المقترح المغربي حتى يحكم عليه بالجدية والواقعية؟ الصحراويون يريدون حلا عادلا ومستداما، يريدون حلا جذريا، فالحل المغربي هو أن يحتفظ المغرب بالجمارك والجيش، والعلم، والطابع البريدي، ويعطي الصحراويين تسييرهم لشؤونهم الخاصة بمفردهم، هذا هو مفهوم المغرب للحكم الذاتي، حتى أن حق عودة اللاجئين الموجودين في الجزائر ليس مكفولا للجميع، وإنما المغرب هو الذي يقرر من يعود إلى الصحراء ومن لا يعود. فهل اطلعت أمريكا على هذا المقترح؟ صحيح أن المغرب شريك استراتيجي هام لأمريكا، ولأنه شريك استراتيجي قطع وزير خارجية أمريكا جون كيري الزيارة التي كان سيقوم بها إلى الجزائر منذ أسابيع، في انتظار أن يستقبل أوباما ملك المغرب، ليسمع منه وينسق معه موقفا موحدا، على حساب القضية، وعلى حساب الجزائر التي تعرضت إلى هجمة إعلامية وأهين علمها في قنصليتها بالدار البيضاء. ويبدو أن السياسة المغربية وعدوانها السافر على الجزائر آتت أكله، إذ ألغيت زيارة كيري، إلى بلادنا، وها هو ملك المغرب يستقبل من قبل أوباما، ويرفع البيت الأبيض من معنوياته، بالتعليق سابق الذكر. وهو في الحقيقة تعليق لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنه لن يدفع بالقضية نحو الحل. ويبدو أن أمريكا لا تبحث عن حل، لتبقى تمسك بالعصا من الوسط، ويبقى بين يديها ما يعينها على الضغط على المغرب والجزائر للمزيد من ابتزازهما.