قطف الموت روح شيخ المسرحيين الجزائريين ومدير المسرح الوطني الجزائري، محمد بن ڤطاف، أو ”عمي محمد” كما يحلو للبعض تسميته، مساء أول أمس الأحد، بالمستشفى العسكري بعين النعجة، بالجزائر العاصمة، بعد صراع مع المرض لفترة طويلة، حسب المعلومات التي وصلت ”الفجر” من مقربيه وأصدقاء الراحل. المرحوم هرم المسرح الجزائري محمد بن ڤطاف شيع إلى مثواه الأخير، أمس، قبل صلاة الظهر بمقبرة العالية بباب الزوار بالعاصمة، بعدما تم نقل جثمانه من بيته المتواجد بڤاريدي بالقبة. نبأ الوفاة نزل كالصاعقة على عشاق الثقافة والفن الرابع وعلى الفاعلين في المشهد الفني الجزائري، الذين تألموا كثيرا وحزنوا لفراق الرجل الكبير والقامة العظيمة في المسرح العربي بشكل عام والجزائري بشكل خاص، وإثر سماعها خبر رحيل المغفور له شيخ المسرحيين العرب محمد بن ڤطاف الذي ترك زملاءه وأقاربه وأصدقاءه والأسرة الفنية وحيدة في بداية سنة جديدة، وفي أسبوعها الأول، تنقلت وزيرة الثقافة خليدة تومي رفقة مدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام لخضر بن تركي، إلى المستشفى العسكري بعين النعجة لإلقاء النظرة الأخيرة عليه وتقديم واجب العزاء للعائلة والوقوف إلى جانبها في هذا المصاب الجلل، وللتأكيد كذلك على مدى اعتزازها وافتخارها بالعمل مع المرحوم، وما تكنه له من احترام وتقدير ومحبة. بن ڤطاف في كلمات الراحل محمد بن ڤطاف، المولود سنة 1939 بحسين الداي بالعاصمة، غادرنا عن عمر ناهز 75 سنة، كانت كلها عطاء وخدمة لأبي الفنون في الجزائر، حيث كان يحظى باحترام وشعبية واسعة في الوسط الفني لا لشيء سوى أنّ مساره الفني المسرحي متميز جد، إذ لم يفارق الخشبة إطلاقا سواء كمشرف ومخرج للأعمال والمسرحيات أو كمؤلف ومقتبس أو ممثل فيما مضى، وهو ما جسدته عديد الأعمال التي تركها وراءه وستبقى حتما رصيدا ثمينا ومن ذهب في أرشيف الفن الرابع الجزائري الذي يفقد من فترة لأخرى عمودا من أعمدته الكبيرة والتي تبقى راسخة في أذهان وذاكرة محبيها وعشاقها وجمهورها. عمي ”محمد” درس بقسنطينة والتحق فيما بعد بالإذاعة الوطنية عام 1963 قبل أن يلج عالم أبي الفنون كمؤلف ومقتبس بالمسرح الوطني الجزائري ما بين 1966 و1989، وفي عام 1990 أسسّ فرقة باسم ”مسرح القلعة” مع رجل المسرح زياني شريف عياد، قبل أن يتقلدّ مهمة الإشراف على المسرح الوطني محي الدين باشطارزي ابتداء من 2003، إلى غاية لحظة وفاته أول أمس، بالمستشفى بالعاصمة. هذا وقد خلّف عدّة أعمال ومؤلفات قاربت 15 مسرحية، أبرزها ”جحا والناس” أنتجت سنة 1980، ومسرحية ”موقف مستقر” سنة 1995 إضافة إلى أخرى بعنوان ”فاطمة ضجيج الآخرين” أنتجها سنة 1998. كما تألّق الراحل محمد بن ڤطاف الذي ينال احترام المسرحيين العرب كممثل كوميدي من خلال أدائه لأدوار مهمة وكثيرة في مسرحيات كتبتها قامات المسرح الجزائري على غرار الراحل كاتب ياسين، وولد عبد الرحمان كاكي، إضافة إلى تقمصه لأدوار في أعمال مسرحية أخرى مقتبسة من مسرحيات عالمية لشكسبير وموليار وبراشت وآخرين. وللعلم فإنّ بن ڤطاف ابتعد خلال الفترة الأخيرة عن نشاطات المسرح الوطني بسبب المرض الذي عانى منه طويلا، حيث لم يظهر إلا في مناسبات قليلة. كلمات رحمة وأخرى حزينة امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأقوال وشهادات حق عن الراحل محمد بن ڤطاف، رددها مبدعون وكتاب ومسرحيون جزائريون وعرب في حق الرجل الذي فقدته الأسرة الفنية الجزائرية، وخسره المسرح الجزائري. الفنان السوري هشام كفرنة: بن ڤطاف مثل للمبدع بما يحمله من رسائل في الصدد قال الفنان والناقد المسرحي السوري هشام كفرنه في تصريح ل”الفجر” متحدثا عن بن ڤطاف: ”ستظل المسارح تلهج باسمك يا بن ڤطاف طويلا طويلا، حيث كان مثالا للمبدع المؤمن بما يحمله المسرح من رسالة، فمحمد بن ڤطاف ليس قامة مسرحية فحسب وإنما مبدع خسرته الساحة الثقافية العربية وليس الجزائرية فحسب وإنما على امتداد الوطن، بما كان يحمله من قيم إنسانية وما بجسده سلوكا من نشاط فني وعلى كافة المستويات، إبداعا وثقافة وإدارة... فكان بما يتمتع به من كفاءات يثبت أن الموهبة لا تتجزأ... سنفتقده كثيرا وستظل المسارح تلهج باسمه طويلا رحمه الله وغفر له وأسكنه جنته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. واسيني لعرج: ”رحيلك ترك الجزائر تئن مسارحها حزنا عليك” من جهته قال الروائي واسيني لعرج عن فقدان محمد بن ڤطاف ”وفاة المسرحي الكبير محمد بن ڤطاف ومدير المسرح الوطني.. لقد كان الخبر جافا الذي وصلتي فجر اليوم من صديقي المسرحي ناصر وهو يقول. محمد بن ڤطاف توفي. شعرت بأن هذا الصباح ليس لي وأني لا أعرف لا الشمس التي لم تشرق حتى اللحظة ولا صوت البحر ولا حفيف الشجر في هذا الفجر الشتوي القاسي. رحم الله هذا الفنان الكبير. كم هي الخسارة كبيرة وكم أن الدنيا قاسية، تعطينا دائماً الانطباع بأن من نحبهم لن يموتوا أبدا. لن تطالهم آلة المحو القاسية. في القلوب يا محمد وفي المسرح وأنت تملأه بصوتك الجهوري الذي خف قليلا في السنوات الأخيرة بسبب المرض القاسي. نحبك. ولأننا نحبك سنجعل ستار المسرح يرفع هذا المساء وفي الأيام القادمة. دمت معنا. حمل الصباح إليّ خبر رحيلك القاسي، رحلت وتركت الجزائر تئن مسارحها حزنا عليك، وأصدقاؤك يذرفون الدموع والذكريات، فيما بينكما تطفو على سطح الذاكرة والله يا أبي كنت خير سفير للعزيزة الجزائر، فمنك أحببناها وبك عرفناه، لن أبكي إبداعك ككاتب ومخرج ومدير ومحافظ لأكبر مهرجان مسرحي في الجزائر، لكنني أكبي إنسانيتك التي كانت تحيطنا حتى ولو لم تكن موجودا. يكفي أننا نعرف بوجودك تتنفس الهواء الذي تتنفس.. يا أهل الجزائر والله إن لنا معكم رحما ومودة وإنسانية فلا تقطعوها بوفاة هذا النبيل طيّب ثراك يا عمنا وأبانا العزيز”. المصرية صفاء البيلي: ”والله يا أبي كنت خير سفير للعزيزة الجزائر” كما لم تخل كلمات الصحفية المصرية صفاء البيلي من الألم والحرقة على رحيل عمي محمد، ونشرت على صفحتها في الفايسبوك ”يا عمّ محمد، يا بابا محمد، يا أبا فاطمة، يا أبا فاطمة، يا شيخنا، حمل الصباح إليّ خبر رحيلك القاسي، رحلت وتركت الجزائر تئن مسارحها حزنا عليك، وأصدقاؤك يذرفون الدموع والذكريات فيما بينكما تطفو على سطح الذاكرة”. وتضيف ”والله يا أبي كنت خير سفير للعزيزة الجزائر، فمنك أحببناها وبك عرفناها. لن أبكي إبداعك ككاتب ومخرج ومدير ومحافظ لأكبر مهرجان مسرحي في الجزائر، لكنني أبكي إنسانيتك التي كانت تحيطنا حتى ولو لم تكن موجودا، يكفي أننا نعرف بوجودك تتنفس الهواء الذي تتنفس”، وتابعت قولها: ”يا أهل الجزائر والله إن لنا معكم رحمة ومودة وإنسانية فلا تقطعوها بوفاة هذا النبيل. آه من مرارة الفراق يا عم محمد.. آه”. الكاتب المسريحي تليلاتي: بن ڤطاف يستعمل المقال المناسب في المقام المناسب بدوره قال المؤلف المسرحي أحسن تليلاتي ”الحقيقة أن الظروف لم تسمح لي في ذلك الزمن الأرعن من الاقتراب كثيرا من الفنان القدير امحمد بن ڤطاف بصفتي ممثلا هاويا، غير أنني اقتربت منه بصفتي مراسلا لجريدة النصر، أذكر أنني أنجزت لجريدة النصر حوارات كثيرة مع أعلام الحركة المسرحية الجزائرية، وإنني لأعتز كثيرا بلقائي مع المسرحي القدير عبد القادر ولد عبد الرحمن كاكي في إحدى دورات الأيام المسرحية بعنابة، وأعتز كثيرا بذلك الحوار الذي أجريته في سكيكدة مع الفنان محمد بن ڤطاف وقد جاء ليقدم مسرحيته الشهيرة الموسومة بعنوان ”العيطة” في إطار الأيام المسرحية لمدينة سكيكدة. وعن الراحل قال: ”إن أكثر ما يشدك في شخصية هذا الفنان القدير بساطته الصادقة، وحنوه عليك، إلى درجة شعورك بأنك تعرف هذا الرجل منذ سنوات خلت، بل إنك لتشعر أنه من أهلك وذويك، يتحدث إليك بلسان عربي جزائري شعبي بسيط لا تأتأة فيه ولا كشكشة، لا يتقعر في العربية الفصحى، ولا يرطن بالفرنسية على عادة بعض الرهط عندنا. المؤكد أنه يحسن اللغات، لكنه يحسن ما هو أحسن من ذلك، وهي قدرته على استعمال المقال المناسب في المقام المناسب، ولربما تكون هذه الميزة في شخصية الرجل من بركات فضائل تعلمه في معهد ابن باديس بقسنطينة. السينمائي بشير درايس: عمي محمد قامة كبيرة في المسرح الجزائري من الوجوه السينمائية التي تأثرت بوفاة محمند بن ڤطاف المنتج بشير درايس، حيث عبرّ في كلمات نشرها على صفحته بالفايسبوك عن حبه وحزنه على فقدان الرجل وقال: ”جاء إلى العالم في 20 ديسمبر سنة 1939، إنّه وجه وقامة كبيرة في المسرح الجزائري، إنّا لله وإنّا إليه راجعون”. المسرحي الأردني غنّام غنّام: ”في رحيل بن ڤطاف الكلّ خاسر” توالت ردود الفعل إثر موت عمي محمد كما يسميه البعض، فعزاء الإخوة العرب كان قويا، كيف لا وبعضهم عايشه وعرفه عن قرب، والبعض الآخر سمع عنه وعن شخصيته وتفانيه في العمل، ويتحدث هنا المخرج المسرحي الأردني غنّام صابر غنّام، في كلمات وجيزة تلخص مسيرة الرجل بأكملها، وقال: ”في رحيل بن ڤطاف الكل خاسر، هذي الوزيرة كانت تثق بهذا الرجل وبما يفعل، كان وزيراً للمسرح”. المخرج جمال قرمي: فقدنا واحدا من أعمدة المسرح الجزائري وعن الفقيد صرّح المخرج المسرحي جمال قرمي ل”الفجر”: ”أولا رحم الله الفقيد، الساحة الفنية المسرحية فقدت واحدا من أعمدة المسرح الجزائري الذي كان فنانا كاملا، كاتبا، ممثلا ومخرجا وفاتح أبواب لجيل شباب، حيث أعطى فرصا لشباب أن يكونوا ممثلين وكتابا ومخرجين”. ويتابع قوله ”تشرفت أن كنت ضمن طاقمه في فرقة مسرحية التابعة لمؤسسة فنون وثقافة في 2001، إضافة أنني اشتغلت كممثل في إحدى مسرحياته ”الشهداء يعودون هذا الأسبوع”، كما أعطى لي فرصة إخراج، على مستوى المسرح الوطني، نص ”نزهة في الغضب” وقمت بإخراج نصه عقد الجوهر في إطار تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، كان ينصح الشباب بأخذ الجديد. في العمل كان يلقنني المقاسيس والمعاسير حول كيف أن تكون مبدعا”.