مات شارون ولعنّاه مليون مرة عبر المواقع الاجتماعية والصحف، وفتحنا أمامه كل أبواب جهنم الافتراضية وانبرينا نحمله كل مصائبنا، مع أن الرجل مات منذ أزيد من ثماني سنوات، إلا أن شرّه ما زال محفورا في الأذهان. مات سفاح صبرا وشاتيلا الشاهدين على وحشية شارون في صائفة 1982، الجرح الذي ما زال يدمي الذاكرة والقلوب في فلسطين وفي كل البلدان العربية. تذكرنا أمس كل مآسي شارون، من صبرا وشاتيلا إلى القدس، إلى غزة، وكأن مآسينا توقفت عند هذا الحد. تذكرنا صبرا وشاتيلا، لكننا في المقابل نسينا مخيم اليرموك في سوريا، هذا المخيم الشاهد على مآسي المهجّرين الفلسطينيين، عاد مجددا إلى واجهة الأحداث، بما يحمل من مآسي. لكن مآسي اليرموك اليوم ليس سببها السفاح شارون، وليس شارون من قتل هناك الأطفال ودمر بيوتهم وتركهم بلا مأوى وبلا طعام ولا فراش في هذا الشتاء الشديد البرودة. سفاح اليرموك، يحمل أسماء عربية وإسلامية، ويرفع راية الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ومع ذلك لم يشفق على أطفال اليرموك وشيوخه ونسائه، الذين يموتون بشتى أنواع الموت، بالمشانق وبالتفجيرات، يموتون ذبحا، ويموتون بالبرد والجوع والجنون... مآسي اليرموك يقف وراءها شارون عربي، اسمه الجيش الحر واسمه داعش والنصرة وبشار، وكل الأسماء التي أقضّت مضاجع السوريين، وأنستهم مظالم إسرائيل وسفاحيها. مأساة صبرا وشاتيلا استغرقت أياما معدودات، لكن مآسي اليرموك والملاجئ الأخرى التي احتضنت اللاجئين السوريين منذ اندلاع الأزمة، دامت أشهرا ولا شيء في الأفق يدل على أنها ستنتهي قريبا، وستستمر ما استمرت الأزمة السورية التي يبتعد كل يوم الأمل في وضع نهاية لها. وستطول مأساة اليرموك، طالما لا تزال الأسلحة والجماعات الإرهابية هي نصيب لاجئيه ونصيب المأساة السورية، بينما يحرم أطفاله من الغذاء والحليب والدواء... وسيبقى اليرموك، مثل مخيم الزعتري، ساحة للمعارك ومسرحا للعمليات الإرهابية، التي لا تقل بشاعة عن صبرا وشاتيلا، بل فاقت بشاعتها مجازر شارون بكل المقاييس.