أصبحت سرقة الهواتف الذكية ظاهرة عالمية تتقاسم المأساة المرافقة كل القارات، وهي الآن هي تزايد مريع، وتخطو منعرجا أخطر بسبب العنف والوحشية اللذين يصاحبانها، ما اضطر أجهزة الشرطة في مختلف الحكومات وحتّى صانعي الهواتف للسعي لإيجاد حلول تحدّ منها ومن عواقبها المميتة. لا يكاد يمرّ يوم إلا وتُطلعنا وسائل الإعلام الوطنية والعالمية بشكل يومي، على أخبار مجرمين يترصّدون ويصطادون المارّة في الأماكن العمومية، وأثناء ذهابهم وإيابهم لأماكن عملهم ومدارسهم، ليسلبوهم ممتلكاتهم، متسلّحين في ذلك بهراوات وسكاكين ووسائل أخرى لا تقلّ بطشا ووحشية. ويعدّ الهاتف النّقال أبرز ما يترصده اللصوص، حيث أفادت مؤسسات وجمعيات ناشطة في مجال مكافحة العنف والجريمة، أنّ ظاهرة سرقة الهواتف النّقالة قد استفحلت بشكل فضيع في كامل أقطار العالم، وأنّ ملفات القضايا التي تُطرح يوميا على المحاكم تشير إلى أنّها لم تعد تقتصر على الخطف والنّشل، بل تعدّتها إلى جرائم أخرى بشعة، لم يسلم منها لا الصّغير، ولا الكبير، ولا المبصر ولا الضّرير، ولا حتّى الأطفال والعجزة. رغم نجاعة الرقم الأخضر المجاني 15-48 إلا أن الظاهرة مستفحلة في الجزائر مثلا ترد يوميا على محاكم الجنايات التابعة لمختلف مجالس القضاء، ملفات من أدينوا بسرقة هواتف محمولة، والتي تسبب مقترفوها في كثير من الأحيان في يُتم أطفال وترميل نساء وإقعاد الكثيرين عن الحركة.. ومنها فاجعة المدعو ”ب. محمد” الذي قُتل خلال عملية اعتداء بالحي العسكري بباب الزوار، أو الشاب عبد المومن المنحدر من ولاية باتنة، والذي قصد العاصمة للظفر بمنصب شغل، فترصده قاتلوه وطعنوه بخنجر حين كان يهمّ بالخروج من مسجد بلال بن رباح في بئرخادم بعد أدائه صلاة المغرب، لأنّه كان ”فريسة عنيدة” ورفض تسليم هاتفه. في هذا الشأن، كشفت حصيلة المديرية العامة للأمن الوطني العام المنصرم، أنّه سجّلت خلال شهري جانفي وفيفري فحسب من العام 2012، 1880 قضيّة سرقة هاتف محمول. وأوضح نفس المصدر أنّه تم توقيف 560 شخص عبر القطر خلال نفس المدّة تورطوا في هذا النوع من الجرائم. ونبّهت مصالح الأمن ضحايا سرقة الهواتف النقالة إلى ضرورة تقديم شكاويهم في أقرب مركز للشرطة، وتقديم رقم الهاتف المحمول الذي تعرّض للسرقة، إلى جانب الاتصال بمتعامل الهاتف النقال من أجل تعطيل الخطّ لضمان تفادي استخدام المكالمات لأغراض إجرامية. كما وضعت المديرية العامة للأمن الوطني خدمة الرقم الأخضر المجاني 48-15 الذي يعمل على مدار الساعة للإبلاغ عن أي معلومة أمنية أواعتداءات قد يتعرض لها مواطنون، والذي تمكنت بموجبه من الإيقاع بكثير من عصابات سرقة الهواتف المحمولة وغيرها. وفي السياق، أفاد بيان لمصالح الأمن الحضري الثّالث بعنابة، مطلع الشهر الماضي، أنه أُطيح بعصابة تنشط في سرقة الهواتف المحمولة بالولاية، إثر عملية اتصال على الرقم الأخضر من طرف الضحية. سرقة الهواتف النقالة ظاهرة عالمية وضحاياها كثيرون في جنوب إفريقيا، قُتل الفتى كريس بعد أن انهال مجرمون عليه ضربا بهراوة وسلبوه هاتفه وغادروا. وفي الولاياتالمتحدة قُتلت الفتاة ”ميغان بوكن” رميا برصاصتين واحدة في الصدر وأخرى في الرّقبة، والسبب نفسه. وفي انجلترا طُعن كيث في رأسه بمفك والسبب أيضا واحد. ورغم ارتفاع معدل الجريمة، الملايين في العالم متمسكون بهواتفهم المحمولة، ففي الوقت الذي تكثر جرائم القتل المصاحبة لجرائم نشل الهواتف النقالة، مازال الملايين من الناس في مختلف أصقاع العالم يحملون هواتفهم النقالة، المرصّع بعضها أحيانا بالعقيق والزمرّد والماس.. في المترو، وفي الشارع دون خوف أو احتراز، متسببين فيما يُتعارف عليه في أوساط الشّرطة ب”جريمة الفرصة”، أي الجريمة المقترنة بوجود فرصة سانحة تمكن الجاني من ارتكابها. الشرطة الأمريكية تستحدث وحدات متخصصة في سرقة الهواتف ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، نجد أنّ ما يقارب نصف السّرقات التي يتم إحصاؤها كلّ سنة تشمل سرقة هواتف محمولة، ما استدعى دائرة الشرطة الأمريكية باستحداث وحدات متخصّصة في سرقة الهواتف، والقضاء على الأسواق الموازية التي تباع فيها. وفي كولومبيا بلغ عدد سرقات الهواتف المحمولة المقترنة بالعنف خلال العام الفائت فحسب، 1.6 مليون حادثة. وللحدّ من تفاقم الظاهرة لجأت الحكومة الكولومبية إلى إصدار سلسلة من الإعلانات التلفزيونية لتحذير النّاس من شراء الهواتف المسروقة. كما ورد في أحد الإعلانات.. دم وهو يتقاطر من أيدي الناس، ثم تظهر رسالة على الشّاشة، تقول أنّ من يشترون الهواتف المسروقة مسؤولون بصورة غير مباشرة عن جرائم السّرقة التي تعاني منها البلاد، والتي تزهق خلالها أرواح أناس أبرياء!. أمّا في روسيا، فتعتزم شرطة موسكو الحدّ من سرقات الهواتف باستخدام أجهزة محمولة يمكنها فحص الهواتف على بعد يفوق 4 أمتار، ووصلها بقائمة تشمل الأجهزة المسروقة، فسبب ذلك مشكلا كبيرا بين الزبائن والمتعاملين، حول قارئ بطاقات ”سيم” الذي يمكنه قراءة معطيات الهواتف المحمولة لهؤلاء الزبائن الذين اعتبروه إخلالا بخصوصياتهم. وفي كوريا الجنوبية يحتدم النّقاش حاليا حول تشريع يُلزم صانعي الهواتف النّقالة في البلاد، بما في ذلك شركة سامسونغ العالمية بإدماج كافة الهواتف المسروقة في دارة خاصّة بعد تعطيلها. لكنّ الملاحظ أنّ هذه الجهود العالمية لم تقلّل إلاّ النّزر القليل من معدّلات جرائم سرقة الهواتف المحمولة، ويُرجع الأخصائيون السبب إلى عدم تنسيق الجهود بين الدّول. مادامت الهواتف المسروقة تجوب العالم، يجب أن تتبعها الاجراءات يتبادل متعاملو الهاتف النقّال في الولاياتالمتحدة، واستراليا وبريطانيا القوائم السوداء التي تشمل الهواتف المسروقة مع منافسيهم، حتى يمنعوا استخدام هذه الأجهزة في هذه البلدان. ومن جهتها، تحتفظ الرّابطة الدولية لمشغلي الهواتف المحمولة بقاعدة معطيات، يمكن لمتعاملي الهاتف المحمول في العالم بأسره الاطلاع عليها، لمنع تشغيل الهواتف المسروقة على شبكاتها. رغم الخطر بلدان عديدة لا تتبادل بيانات عن الهواتف المسروقة ومع ذلك يبقى متعاملون كُثُر في العديد من البلدان لا يتبادلون البيانات الخاصة بالهواتف المسروقة، خارج حدود بلدانهم، ما يتيح لعصابات سرقة الهواتف المحمولة فرصة إرسالها إلى بلدان أخرى، وفتح سوق موازية تضاهي السوق القائمة، والتي تدرّ أرباحها 30 مليار دولار سنويا، وفقا لبيان شركة ”لوكاوت” لأمن الهواتف المحمولة. كما أفادت السيدة ميكا لوهد، وهي مسؤولة سابقة عن أمن الهواتف المحمولة لدى شركة نوكيا لوكالة ”وورد بوست”، أنّ العديد من البلدان تسعى لحل هذه المعضلة على الصعيد الوطني، وأضافت: ”لكن إذا قمت مثلا بسرقة هاتف محمول في الولاياتالمتحدة، وأُدرج هذا الهاتف ضمن قائمة سوداء تخص المتعاملين الأمريكان، فإن هذا الإجراء سيصبح عديم الجدوى، إذا قمت بإرساله إلى أمريكاالجنوبية لأبطل بذلك مفعول حظر استعماله، فمادامت الهواتف المحمولة تتنقل في كامل أقطار العالم، يجب أن تتبعها الإجراءات. أمريكا والمكسيك يوقعان اتفاقا لتعطيل الهواتف المسروقة شرعت بعض البلدان في التّعاون مع الحكومتين الأمريكية والمكسيكية، اللّتان وقّعتا سنة 2012 اتفاقا يقضي بتعطيل كافة الهواتف المسروقة في كلا البلدين، تفاديا لتهريبها عبر الحدود، ويعدّ هذا الاتفاق أوّل خطوة من نوعها بين الولاياتالمتحدة و دولة أخرى. وأكّد منتخبون مكسيكيون حينذاك أنّه يجب أن تمنع هذه الشراكة كارتل المخدرات المكسيكي من استخدام الهواتف المسروقة في الولاياتالمتحدة والتواصل بها مع أسر المُختطفين. وفي نفس السنة، اجتمع في كولومبيا، مسؤولو الحكومة بأجهزة الشرطة، وبأصحاب صناعة الهاتف المحمول في العالم بأسره، لبحث سبل مكافحة تهريب الهواتف المسروقة، وشارك في الاجتماع ممثلون عن شركة سامسونغ والشرطة البريطانية سكوتلاند يارد واللجنة الفيدرالية للاتصالات، التي تُنظّم سير شركات الاتصالات الهاتفية الأمريكية، إلا أنّ المجتمعين غادروا الاجتماع باتفاق وحيد يوصي بتنسيق العمل فيما بينهم في المستقبل لحلّ كافة المشاكل العالقة! سعر الهواتف الذكية مبرّرٌ كاف لسفك الدماء لقد أصبحت الهواتف الذّكية مبرّرا كافيا لسفك الدّماء، ويرجع السبب في ذلك إلى الفرق الشاسع في سعر بيعها من بلد لآخر، فنجد مثلا أنّ نفس جهاز هاتف ”أي فون” يباع لزبون أمريكي بسعر 200 دولار أمريكي فقط، وبعقد مدته عامين، بينما يباع بسعر 2000 دولار لزبون آخر في هونغ كونغ أو البرازيل. ويرجع كثيرون السبب في ذلك إلى الضرائب المفروضة على الواردات في هذه البلدان، ما أدى إلى ارتفاع أسعار منتجات أبل. لكن هونغ كونغوالبرازيل لم تعودا الوُجهة الوحيدة للهواتف المحمولة المسروقة، فالآلاف من الهواتف تهرّب نحو أمريكاالجنوبية عن طريق كارتل المخدرات الكولومبي الذي وجد في تهريب الهواتف تجارة جديدة أقلّ خطورة. من جهتها، تمكنت مصالح الشّرطة البريطانية من تحديد مواقع هواتف مسروقة في 16 دولة في أوروبا الشرقية، وإفريقيا، وآسيا. كما ظهرت العديد من الهواتف المسروقة في أوروبا مجددا في أسواق موازية نشطة تدعى تبتولين في العاصمة الغانية أكرا. الحلّ ليس بيد جهاز الشّرطة ولكن بيد المنتجين أنفسهم يقول القائمون على جهاز الشرطة إنّ الحلّ للحد من سرقة الهواتف المحمولة ليس بيد جهاز الشّرطة، ولكن بيد المنتجين أنفسهم. ففي العام الماضي، طالب مسؤولون كبار في الشرطة الأمريكية أن يضيف صانعو الهواتف الذكية بما في ذلك شركتي ”أبل” و”سامسونغ” تكنولوجيات جديدة تعطّل الهواتف المسروقة، وتحطّ من قيمتها في السوق الموازية. وكان جواب أبل وسامسونغ في الصائفة الماضية بالإعلان عن إجراءات جديدة تسمح للمستهلكين بتعطيل هواتفهم المسروقة، لكن فاعلية الإجراء الجديد المضاد للسرقة الخاص ب”أبل” لم يثبت فعاليته بعد.واستنادا إلى تصريح جورج جاسكون، وكيل محكمة سان فرنسيسكو، فإن متعاملي الهواتف أوقفوا من جهتهم إجراء سامسونغ للمحافظة على هامش الرّبح المترتب عن عملية البيع. وبالمقابل استجاب كلّ من وكيل محكمة نيويورك اريك شنيدرمان، وعمدة لندن بوريس جونسون لنداء جاسكون شهر أوت المنصرم الذي يطالب بإجراءات مضادة للسرقة أكثر صرامة، والذي جاء فيه أنّه بات من الضروري أن يهتم منتجو هذه الهواتف بالمشكل، ويجدوا حلا تقنيا يقضي على السوق الموازية للهواتف الذكية التي تغذي الجريمة.. حيث كشف جونسون أنّه يسجّل كلّ شهر حوالي 10.000 حادث سرقة هاتف ذكي في مدينة لندن. وفي انتظار حدوث اتفاق بين صُنّاع الهواتف المحمولة وأجهزة الشّرطة في جميع أصقاع العالم، تبقى وتيرة سرقة الهواتف المحمولة والعنف المرافق لها قائمة وفي ارتفاع مخيف، وتحصد المزيد من الأرواح.