جدل حول قيام وزارة التعليم العالي بمعادلة شهادات دون تمحيص أعادت، منذ أسابيع قليلة، قصة الأئمة الرافضين لإقامة صلاة الغائب على ضحايا الطائرة العسكرية النقاش الدائر في السنوات الأخيرة حول سيطرة السلفية على مساجد الوطن ومنابرها الدينية، وعجز وزارة الشؤون الدينية عن إيجاد حل لهذا الإشكال، حيث أوضحت مصادر مقربة من الملف أن سيطرة السلفية لم تعد فقط على مساجد الجمهورية لكنها امتدت لتشمل أيضا مناصب حساسة في الوزارة والمؤسسات التابعة لها، مثل المراكز والمعاهد الدينية. وقد قدرت مصادرنا أن 600 إطار في الوزارة والمؤسسات التابعة لها يشغلون منصب مفتش أو مدير مركزي أومدير معهد يعملون على نشر الفكر السلفي المتشدد الذي يهدد الأمن الفكري والديني للبلاد، وبإمكانه مستقبلا إحداث هزات عنيفة وتصادمات في المجتمع، حيث يجد هؤلاء الوافدون من الجامعات الأهلية في عدة دول عربية وإسلامية أنفسهم على التماس مع ثقافة وتقاليد المجتمع الجزائري التي تمتد في فضاء الإسلام المغاربي، الذي يختلف في الكثير من الأمور عن المذاهب القادمة من الخارج، خاصة أن أغلب تلك المذاهب تأتي محملة وموجهة لخدمة الأغراض الإيديولوجية لدول معينة. مصدرنا أكد أن أغلب الذين يزاولون دراساتهم الدينية خارج الجزائر يتنسبون إلى ما يعرف بالجامعات الأهلية، وهي في أغلبها جامعات لا تربطنا بها اتفاقية وعقود، وهي جامعات تدرس الفكر المذهبي القائم على خدمة الاتجاه السياسي والإيدلوجي لدول معينة، وتتركز تلك الجامعات خاصة في الأردنلبنان، السعودية، ماليزياأندونيسيا وغيرها. ويضيف المصدر الذي تحفظ عن ذكر اسمه أن الدكاترة حال عودتهم إلى الجزائر يقدمون طلب المعادلة لشهاداتهم لدى وزارة التعليم العالي، التي تقوم فورا بمعادلتها دون التحقق إذا كان المعني قد درس فعلا المقاييس والمواد التي تعتمدها جامعاتنا، وهو التقليد المعمول به في جميع دول العالم. وقال المتحدث ذاته مضيفا: أن البعض من هؤلاء لا يلتحق أصلا بتلك الجامعات لكنه يسافر تحت ستار العمرة أوالتجارة، ثم يحضر حلقات ودروس السيد الفلاني والسيخ العلاني، الذي يتوسط له عند جامعة ينتسب لها فكريا فتقوم بإعطائه شهادة على أساس أنه متخرج منها وهو في الحقيقة لم يسبق له أن حضر درسا واحدا. والكارثة أن الأسلوب الجامعي والمنهج العلمي الذي يكون الطريق للحوار والاجتهاد وجعل العلم والمعرفة والعقل سيد المنطق، لا يؤمن بها هؤلاء الذين يبرمجون مثل قنابل موقوتة بنقل وحشو مذاهب وأفكار أغلبها تجاوزها الزمن وتقدم على أساس أنها الدين الحق، وهذا ما يهدد المجتمع بالفتنة والانفجار والتشظي الفكري والديني. وركز محدثنا كثيرا على هذا الجانب لأهمية الدين في توجيه المجتمع وإضفاء فكر القداسة على النقاش العام. وقد صار هذا الاتجاه يوما بعد آخر مستحما في مفاصل الجامعات ومعاهد البحث الدينية في البلاد، حيث تؤكد مصادر وشهادات متطابقة من كلية العلوم الشرعية في الخروبة، أن هناك عائدين من كلية الأوزاعي في لبنان، شاركوا في الماجستير بالجزائر عدة مرات وفشلوا.. وبعد ذهبوا إلى لبنان وعادوا في ظرف سنتين بشهادات دكتوراه وبعضهم توظف في كلية العلوم الشرعية في الخروبة، والبعض امتهن إمامة الناس في مساجد قسنطينة بالشرق الجزائري. وحسب المعلومات التي توفرت ل”الفجر” فإن أغلب هؤلاء يندرجون ضمن جماعتين أساسيتين ،هما الإخوان العالموين والإخوان الإقليميون ”حمس والجزأرة”، الذين ذهبوا تحت ستار التعليم وعادوا بشهادات توغلوا بواسطتها في الأجهزة الإدارية. ذات المصادر قالت إن هناك تواطؤا من طرف وزارة الشؤون الدينية في توظيف أصحاب هذا الاتجاه لسببين رئيسيين أولا، لوجود مسؤولين من نفس التوجه أو بسبب النفوذ من أطراف فاعلة جدا. لذا تتغاضى وزارة التعليم العالي عن معادلة شهادات هولاء ليدخوا ويدرسوا في الجامعات الجزائرية.