يزيد الغموض في ما يجري في العراق كلما زادت التفسيرات والتحليلات، وبقيت أسئلة كثيرة لم تسعفنا بالإجابة عنها التقنية العالية في التواصل ولا كثرة الخبراء السياسيين ولا عشرات البرامج الحوارية في الفضائيات، هل ”داعش” هي اللاعب المؤثر في الانتصارات العسكرية التي ذابت أمامها قوات المالكي المدربة كما تسيح زبد قطعتها سكين ساخنة؟ أم أن ”داعش” جزء من حراك أكبر شمل فلول الجيش العراقي وشيوخ العشائر وبعض الفصائل الإسلامية؟ وإذا كان ذلك كذلك، وهذا في تقديري أقرب للواقع، فكيف تناغمت حلقات مبعثرة متناقضة لا يجمعها إلا المظلة السنية الكبيرة وخصومة المالكي، خاصة ونحن نرى في التجربة السورية فشلا واضحا في جمع فصائل المعارضة السورية المسلحة وغير المسلحة مع أنهم سنة وتجمعهم خصومة بشار؟ ثم كيف ل”داعش”، التي اكتسبت صيتا سيئا في سوريا بمحاربتها للجيش الحر ودخولها معه في معارك دموية، وما يشاع عنها من فظائع في طريقة تصفية منافسيها من الفصائل المسلحة الأخرى، أن تتحول إلى نسخة أخرى في العراق مختلفة، فلا يصل إلينا من البلدات العراقية التي ”فتحتها” داعش مرويات عن الفظائع الدموية، بل على العكس، كل التقارير التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية، ومنها ما وصلني عبر أصدقاء عراقيين لهم تواصل مع أهاليهم هناك، تشير إلى تعامل حسن وأمان في المناطق ”المحررة”؟ فهل وعت ”داعش” الدرس وتعلمت من أخطائها، أم أن خصومها أجمعوا على الكيد بها وتشويه صورتها؟ ثم ننتقل إلى التساؤلات حول علاقة إيران بما جرى ويجري على الثرى العراقي، كيف تمكنت ”داعش” ومن حالفها من الانتقال بقواتها وآلياتها بين البلدات العراقية التي سيطرت عليها وحررتها من قوات الجيش التابعة للمالكي، وأن تقطع مئات الكيلومترات دون أن تتحرك القوات الجوية التابعة للمالكي، أو القوات الإيرانية لا أقول التي ترابط على الحدود مع العراق ولكن داخل العمق العراقي؟ إن طلعات جوية قليلة كفيلة بسحق قوات ”داعش” المكشوفة في الصحراء العراقية كتلك الطلعات الجوية التي سحقت كتائب القذافي قبل وصولها لبنغازي؟ كيف قررت إيران أن تقف موقف المتفرج وهي التي أنشأت جسرا جويا لنصرة بشار الأبعد جغرافيا؟ أين الجنرال قاسم سليماني، الاستراتيجي العسكري الإيراني الخطير الذي أسهم في وقف تقدم قوات الثورة السورية وقاد الكر والفر حتى استرجع عددا من المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة السورية وهزمها في عدد من المعارك؟ وإذا سلمنا بالنظرية التي تقول بأن قوات من الجيش العراقي ذات ولاء قديم لصدام أو هي ساخطة على المالكي انشقت عن الجيش العراقي، فكيف ترك بقية جيشه الموالي له ل”داعش” ومن حالفها تذرُّع الأرض العراقية المنبسطة المكشوفة جيئة وذهابا وفي وضح النهار دون مساندة غير دعوات الملالي واستغاثتهم وفتاواهم؟ هل يعقل أن إيران قد أعيتها معارك الاستنزاف في سوريا والعراق وتسليح وتمويل ”حزب الله” فوقفت موقف المتفرج تجاه ما يجري لابنها البار المالكي في العراق؟ أين الطلعات الأميركية التي باغتت قادة ”القاعدة” في اليمن وفي أفغانستان وقتلت العشرات منهم بالطائرة من دون طيار؟ كيف نفهم سر الصمت الأميركي تجاه تحركات قوات ”داعش” المصنفة إرهابية؟ في هذه المرحلة لا نملك إلا أن نطرح أسئلة دون أن نحصل على إجابات كافية شافية، وما يقلقنا أن غموض الوضع يشي بأن الأيام حبلى بجديد ربما يحدث تغييرات كبرى المنطقة.