إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) تبذل نصف طاقتها التي تضيعها في محاربة الكونغرس في البحث عن الإرهابيين، فسوف نشعر بأمان كبير. بدأ عملاء الاستخبارات، الذين حصلوا على راحة من الأعمال المملة التي تقتضيها حماية الدولة، التحول أخيرا بتوجيه أنشطتهم الاستخباراتية ضد المشرعين، الذين من المفترض أن يتولوا الإشراف عليهم. إنها ليست مهمة سرية للغاية بل تتعلق ب: تقويض تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ عن التعذيب، عفوا وسائل الاستجواب المعززة. في البداية، اخترق مسؤولو ”سي آي إيه” أجهزة الكومبيوتر التي تستخدمها اللجنة - في انتهاك دستوري واضح - ثم سعوا باستخدام معلومات خاطئة إلى مقاضاة أعضاء اللجنة. ويذكر أن مدير ”سي آي إيه”، جون برينان، اعتذر عن التجسس على أنشطة أعضاء مجلس الشيوخ. ولكن، لا بد أن اعتذار برينان لم يكن صادقا، وعلمت اللجنة أن ”سي آي إيه” ”عدّلت” – بمعنى حجبت – عناصر رئيسية في هذا التقرير، مما أثار استياء اللجنة. من جانبه، دافع جيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية الذي اعترف بالفعل بأنه أعطى معلومات خاطئة إلى الكونغرس بشأن أنشطة وكالة الأمن القومي، عن محاولاته تقويض تقرير التعذيب. وقال في بيان له، إن ”أكثر من 85 في المائة من تقرير اللجنة لم يعد سريا، ونصف التعديلات التي جرت مراجعتها كانت في الهوامش”. يمكن وصف دفاع كلابر في كلمة واحدة: بأنه ”مريب”. وصرح السيناتور مارك يودال (الديمقراطي من ولاية كولورادو)، عضو لجنة الاستخبارات، في بيان له بأنه ”رغم أن المدير كلابر قد يكون على صواب من الناحية الفنية بأنه جرى رفع السرية عن 85 في المائة من التقرير، فإنه صحيح أيضا أن التنقيح الذي جرى بطريقة استراتيجية يجعل التقرير غير مفهوم”. تنقيح جرى بطريقة استراتيجية؟ حسنا، نعم قد يسبب هذا (محجوب)، لا سيما إذا حدث مع (محجوب). تخيل أن يسعى كلابر إلى القيام بعمله في ظل قاعدة 85 في المائة، التي يجري فيها حجب كلمة بين كل ست أو سبع كلمات: ”سيدي المدير، لم يجر (محجوب) المعتقل. هل أعطيناك تصريح ب(محجوب)؟” أو ”سيدي، يقول الروس إنهم سوف (محجوب) سنودن إذا وافقنا على (محجوب) بشأن (محجوب). فماذا يجب أن نفعل؟”. تخيل القلق الذي سينتاب كلابر عندما يتلقى اتصالا بأن الرئيس يريد مقابلته في المكتب البيضاوي في (محجوب) لإطلاعه على (محجوب) أو عندما يطلب منه إصدار أوامر بشن غارات بطائرات من دون طيار على عاصمة (محجوب). سيكون هذا كافيا لجعل كلابر نفسه (محجوب). إذا قبلنا ادعاء ”سي آي إيه” بأن تقرير التعذيب يجب أن يخضع للرقابة، سيكون في ذلك تبنٍ لفكرة أن ممثلي الشعب – من أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء – لا يمكن الوثوق بهم في الاحتفاظ بالمعلومات ذات الحساسية (وليس الاكتشافات المخجلة) بعيدا عن المجال العام. يقول ستيفن أفترغود، الذي يعمل على مراقبة سرية أعمال الحكومة في اتحاد العلماء الأميركيين: ”إن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ليست الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، وإذا قال أعضاؤها إن المزيد يمكن بل يجب صدوره، سيشك المرء في أن ذلك على الأرجح صحيح”. يأتي فشل أوباما الإجمالي في الوفاء بتعهده بإقامة حكومة أكثر شفافية من أكثر الأسباب المثيرة للإحباط من قيادته. وفي بعض الحالات، مثل تحقيقات التسريب، كان الأمر أسوأ؛ حيث تبحث الإدارة الآن ما إذا كانت ستسعى إلى سجن جيمس رايزن الصحافي في ”نيويورك تايمز”، بسبب حمايته مصادره في قضية تخص الأمن القومي. في الأسبوع الماضي، طلبت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب من الوكالات الاستخباراتية رفع السرية عن تقرير اللجنة الخاص باعتداءات بنغازي في عام 2012 . يجذب تباطؤ الوكالات الاستخباراتية بشأن تقرير التعذيب وتصادمها مع المشرعين، مزيدا من الانتباه إلى الأمر، ويجعلها تبدو في صورة أسوأ. لماذا يتعامل مجتمع الاستخبارات مع هذا الأمر بقدر قليل من الذكاء؟ ولماذا يتركهم الرئيس يفلتون من المحاسبة بفعلتهم؟ لا يمكن أن يكون لذلك إلا تفسير واحد وهو أنه (محجوب).