انطلقت رصاصة واحدة، عند الساعة الصفر، لفجر يوم الفاتح من أول نوفمبر من سنة 1954، لتنطلق معها العديد من صور كفاح الشعب الجزائري من أجل استعادة حريته، والبحث عن الاستقلال المنشود، ومن بين صور الكفاح المتعددة نجد الكفاح الرياضي، والذي انطلق بفضل فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم، والذي كان من أبرز المساهمين في الدفاع عن القضية الجزائرية داخليا وخارجيا. أسس فريق جبهة التحرير الوطني في 13 أفريل 1958، حيث كان يضم في صفوفه 32 لاعبا، من خيرة الأسماء الجزائرية التي كانت تنشط في الأندية المحلية والأوروبية، وكان صاحب فكرة التأسيس هو المرحوم محمد بومزراق، والذي استمد فكرته بعد مشاركته في مهرجان الشباب العالمي بموسكو لسنة 1957، حيث وجد أنه من الضروري إنشاء منتخب وطني يمثل الجزائر المستقلة عن فرنسا، ويقوم بدور التعريف بالقضية الوطنية في المحافل العالمية، ولم تجسد فكرة بومزراق، إلا بمساعدة زميله المرحوم، محمد علام، والذي كان يعد المسؤول السياسي في فريق جبهة التحرير الوطني، وانضم إليهما فيما بعد سلامي زامر، حيث شغل دور مسؤول العتاد. وبعد أن اتفق كل من بومزراق وعلام على خطوات إنشاء وتأسيس فريق جبهة التحرير الوطني، شرعا في استدعاء أبرز اللاعبين الجزائريين لكرة القدم داخل الوطن وخارجه، من خلال رسائل وبرقيات، أو الاتصال بهم عن طريق مقربين، وقد وافق جل من تم الاتصال بهم بالفكرة، والتحقوا بتونس، أين تم إطلاق أول منتخب جزائري في كرة القدم. ومن بين أبرز الأسماء التي سجلت حضورها بتونس، نجد الثنائي رشيد مخلوفي والراحل مصطفى زيتوني، والذين يعتبران من نجوم الصفوة في البطولة الفرنسية لكرة القدم، آنذاك، وكانا ضمن قائمة العناصر المدعوة للمشاركة بقميص المنتخب الفرنسي في كأس العالم 1958، لكنهما قررا ترك المونديال، وحمل القميص الجزائري، عوض قميص المستعمر. أما أسماء أخرى، فقد كانت تتقاضى أجور مالية معتبرة رفقة أنديتها، على غرار محمد معوش لاعب رامس الفرنسي، وعبد العزيز بن تيفور الذي لعب لنادي الإمارة موناكو، والشقيقان محمد وعبد الرحمن سوكان، اللذين تركا نادي لوهافر والتحقا بركب عناصر فريق جبهة التحرير. بعدها شرعت عناصر فريق الجبهة في العمل الجدي والجهادي، من خلال حمل أغلى قميص ارتدوه، وهو القميص الذي رصع بألوان العلم الوطني، وباشروا في لعب مباريات في كرة القدم، في مختلف بقاع العالم، حيث امتدت تحركاتهم إلى 32 جولة شملت عدة دول أوروبية وإفريقية وشرق أوسطية ومن آسيا، وقد نجحوا في إعطاء بعد آخر للنضال الجزائري على مدار السنوات الخمس لنشاطهم. وجاءت تحركات فريق جبهة التحرير الوطني لترفع معنويات المقاتلين الجزائريين ضد المستعمر الغاشم داخل الوطن، والذين أيقنوا أن صوتهم بات مسموعا في مختلف دول العالم، بفضل فريق في كرة القدم، ونجح رفقاء مخلوفي في رفع العزلة عن القضية الوطنية، وإعطائها بعدا عالميا، خاصة في ظل المستوى والنتائج الايجابية التي حققها فريق جبهة التحرير في صولاته وجولاته المتعددة. واعتبر المناضل الثوري، وأول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة بعد الاستقلال، فرحات عباس، أن لفريق جبهة التحرير الوطني مساهمة كبيرة في منح الاستقلال للجزائر، حيث أوضح فرحات عباس أنه لولا الخدمات الجليلة التي قدمها لاعبو جبهة التحرير لتأخر استقلال الجزائر لسنوات أخرى. رشيد مخلوفي، للفجر: ”نداء الوطن أغلى من المال والإغراءات” يرى اللاعب السابق لفريق جبهة التحرير الوطني، رشيد مخلوفي، أن اختيار اللعب لفريق جبهة التحرير الوطنين وترك ناديك في فرنسا، قرار سهل لأي لاعب يدرك جيدا أن نداء الوطن، أهم بكثير من الأموال والإغراءات التي تقدمها فرنسا، أو أي دولة أخرى. مخلوفي، أكد أن القرار لم يكن صعبا بالنسبة له، وفخور جدا لكونه من الأسماء التي ساهمت في تحرير الجزائر من خلال كرة القدم، مؤكدا أن قرار الالتحاق بفريق جبهة التحرير الوطنين يبقى أهم وأفضل قرار اتخذه في حياته، وسيبقى فخورا به إلى الأبد. وأوضح مخلوفي، في حديثه مع الفجر قائلا ”لقد كان حب الوطن وتمثيله أهم شيء بالنسبة لنا، عندما لا تقف الاغراءات والأموال في وجهك، فإن القرار يكون سهلا، لأن تمثيل الجزائر أهم من أي شيء آخر، وأنا سعيد لأنني كنت من بين اللاعبين الذي كونوا فريق جبهة التحرير الوطني”. دودو يرحل في صمت وفريق جبهة التحرير سيبقى الأفضل يفتخر كل الجزائريون بأن لهم منتخب وطني في كرة القدم، رفع اسم الوطن بين جميع الأمم، ولديه وزن وقيمة كبيرة بين منتخبات العالم، وكان المنتخب الإفريقي الوحيد الأكثر تميزا خلال نهائيات كأس العالم الأخيرة بالبرازيل، غير أن المستوى الكبير والانجازات التي يصنعها رفقاء فيغولي وسليماني اليوم، وصنعها ماجر وبلومي وبقية رفقاهما أمس، يعود فضلها إلى أول منتخب وطني في تاريخ الجزائر، وهو منتخب جبهة التحرير الوطني الذي سيبقى الأفضل وسيبقى عناصره من أبطال هذا الوطن. وبات الحارس السابق، علي دودو اللاعب رقم 20 الذي يفارق الحياة من عناصر فريق جبهة التحرير، بعد أن ورى التراب قبل أسبوع من الآن بمدينة عنابة، ودفن بنفس المقبرة التي دفن فيها زميله في جبهة التحرير، سعيد براهيمي نجم تولوز الفرنسي السابق، والذي ترك البطولة الفرنسية للحاق بركب الثورة الجزائرية. وقبل أسبوعين فقط من الذكرى الستين لاندلاع ثورة التحرير، فإن العديد من الأسماء التي شاركت في بناء أول منتخب وطني في كرة القدم، والمنتخب الذي رفع شعار التحرير، لن يكونوا حاضرين من أجل الحديث عن قصصهم، لكن اللاعب عمر بطروني، يرى أن قصصهم قد كتبت على صفحات التاريخ، وأن التاريخ لا يمكن أن ينسى، أو يمحى، حتى لو رحل صانعوه، وقال بطروني في حديثه مع الفجر ”لقد صنعنا صفحة من تاريخ هذا الوطن العزيز، لا يوجد إنسان سيخلد في هاته الدنيا، لكن التاريخ سيبقى خالدا، والأسماء التي رحلت عنا، كزيتوني وكرمالي ستضل حاضرة بانجازاتها الخالدة”. لاعبون دوليون يؤكدون: ”فريق جبهة التحرير قدوة بالنسبة لنا” يرى العديد من اللاعبين الدوليين السابقين، أن منتخب جبهة التحرير يمثل مرجعية بالنسبة لهم، وهو أساس جميع المنتخبات الوطنية بعد الاستقلال، واللبنة التي كونت ”الخضر” مؤكدين أن فريق جبهة التحرير لا يزال الرمز التاريخي للكرة الجزائرية، وأن لاعبيه يعدون قدوة لأغلب الأسماء التي حملت قميص المنتخب الوطني. وأوضح النجم التاريخي لمولودية الجزائر، واللاعب السابق للخضر، عمر بطروني، في حديثه مع الفجر، أن فريق جبهة التحرير يعتبر أكثر قيمة من منتخب مونديال 1982، ومن المنتخب الحالي الذي قاد الجزائر إلى الدور الثاني من كأس العالم لأول مرة، موضحا أن منتخب جبهة التحرير هو أكثر من فريق في كرة القدم، بل هو جزء لا يتجزأ من تاريخ هذا الوطن. وصرح بطروني قائلا ”اليوم نحن في عهد الاحتراف الكروي، الاتحادية الوطنية لكرة القدم، والمنتخب بات أكثر انضباطا وتنظيما، واحترافية مما سبق، لكن صراحة لا أرى أنه يوجد منتخب وطني أكثر احترافية من فريق جبهة التحرير، لقد كان مشكلا من عناصر لعبت في أعلى المستويات، لكنها فضلت نداء الوطن عوض المال والشهرة”. وتابع بطروني حديثه قائلا ”لاعبوه هم قدوة لكل لاعب جزائري يدافع عن قميص وطنه حبا فيه، لأن لاعبي جبهة التحرير حملوا قميص المنتخب من أجل تحرير الوطن، وتركوا أنديتهم التي كانت تنفق عليهم الملايين”. نجم المنتخب الوطني السابق، رابح ماجر: ”اللقب الإفريقي الوحيد للجزائر كان بفضل لاعب جبهة التحرير كرمالي” أما نجم الخضر في الثمانينات، رابح ماجر، فيعتقد أن فريق جبهة التحرير هو المنتخب الذي يعود إليه الفضل في كل إنجاز حققته وتحققه الكرة الجزائرية، ويبقى مثالا للاعبي الجيل الحالي، خاصة وأن لاعبي فريق جبهة التحرير حملوا قميص الجزائر بكل إخلاص، وضحوا بكل نفيس من أجل الراية الوطنية. وأوضح ماجر في هذا الصدد قائلا ”أعتقد أن للاعبي فريق جبهة التحير الوطني فضلا عليا وعلي جميع اللاعبين الجزائريين، لقد كانوا الانطلاقة للكرة الجزائرية، ويجب أن لا ننسى أن اللقب الوحيد الذي حققته الجزائر منذ الاستقلال وحتى الآن كان الفوز بكأس أمم إفريقيا 1990، وهو اللقب الذي تحقق بفضل المدرب عبد الحميد كرمالي، الذي يعد من العناصر المؤسسة لفريق جبهة التحرير الوطني”. لاعب المنتخب الوطني، فوزي غولام للفجر: ”في سانت ايتيان، مخلوفي أعظم من ماردونا وزيدان” يرى مدافع المنتخب الوطني حاليا، ولاعب نادي نابولي الإيطالي، فوزي غولام، أن اللاعب السابق لفريق جبهة التحرير الوطني، رشيد مخلوفي يعد رمزا كرويا في فرنسا، وتحديدا في مدينة سانت ايتيان، أين لعب مخلوفي، وكان النجم الأول للفريق. غولام الذي نشأ ولعب مع الفريق الأول لسانت ايتيان، أكد أن مكانة مخلوفي لدى عشاق ومحبي نادي سانت ايتيان، يعتبرون أن مخلوفي أهم بالنسبة لهم من النجم الأرجنتيني ديغو ماردونا، بل وأهم من زين الدين زيدان الجزائري الأصل الذي صنع مجد المنتخب الفرنسي. وصرح غولام قائلا ”مخلوفي يعد رمزا لنادي سانت ايتيان، وجميع اللاعبين الذين مروا على الفريق الفرنسي يدركون ذلك، بالنسبة لأنصار سانت ايتيان فمخلوفي أعظم من ماردونا وزيدان، وهو الأسطورة التاريخية للفريق”. جدير بالذكر، أن رشيد مخلوفي لبى نداء الاتحادية الوطنية لكرة القدم، وسجل حضوره قبل سنتين، خلال تقديم فوزي غولام كلاعب جديد في صفوف المنتخب الوطني لكرة القدم، حيث فضل غولام السير على خطى مخلوفي، وفضل تمثيل المنتخب الجزائري، عوض المنتخب الفرنسي. رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، روراوة: ”زيتوني الأسطورة التي اعترف بها العالم بأجمعه” قبل أيام من الآن، فارق اللاعب السابق لفريق جبهة التحرير الوطني، مصطفى زيتوني الحياة، وقد انهالت عبارات المديح والثراء على روح اللاعب الذي اعتبره رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، محمد روراوة أسطورة عالمية في كرة القدم. وأوضح روراوة أن الجزائر فقدت لاعبا لا يمكن أن يمحى من تاريخها الكروي، ومجاهدا جاهد بعمله من أجل تحرير الجزائر. من جانبها، فقد خصصت أغلب وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية مساحة كبيرة لرحيل زيتوني، معتبرة إياه من أساطير كرة القدم على مر التاريخ.