الرحيل في العادة يؤدي إلى أن نرى دائما جانبا مشرقا وواحدا للصورة، دون أن نشعر ننحاز إلى الفقيد العزيز، ولا نرى سوى الإنجازات التي حققها، ونغفر له كل الإخفاقات التي لاقاها في مشواره، ويتجسد ذلك أكثر كلما كان الرحيل مفاجئا ومبكرا. التقييم بعد الغياب مشوب بقدر كبير من الانحياز العاطفي اللاشعوري، ولكن اللافت أن النجم المتألق خالد صالح كان في رحلته القصيرة مع الحياة والنجومية يحظى بقدر كبير من التقدير، وكثير مما قيل عنه بعد غيابه كنا قد رددناه أيضا في حياته. في الأيام الأخيرة فاض النت والفضائيات والمواقع الإلكترونية والجرائد الورقية بالحديث عن نجمنا الموهوب، فهل تذكره الناس واكتشفوا موهبته فقط عند الرحيل. الحقيقة هي أن خالد صالح كان دائما له مكانة خاصة عند الناس والنقاد. وكثيرا ما احتفينا به وهو بيننا. أتصوره قد حصل على نجاحه المستحق في التوقيت المناسب. كثيرون يتحدثون عن أكثر من 15 عاما قضاها في بداية المشوار ممثلا في فرق الهواة؛ حيث لا حس ولا خبر ولا ضوء، إلا أنني أعتبر هذه السنوات أشبه ما تكون بالخرسانة المسلحة التي تحفر في الأعماق قبل أن نبدأ في تشييد الطوابق إلى أعلى، وكلما كان الحفر عميقا سمح هذا بالتحليق أكثر. بعد الرحيل مباشرة امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع من فيلمه ”أحلى الأوقات” وحوار مع ”يسرية” التي أدت دورها هند صبري، بينما أدى صالح دور إبراهيم، الرجل الذي يعتقد أن الأجدى أن يعود إلى زوجته وفي يده نصف كيلو كباب بدلا من أن يقدم لها باقة ورد، بالطبع في النهاية وجد أن عليه أن يحمل إليها الاثنين. خالد صالح في حياته كثيرا ما منحه النقاد وقبلهم الجمهور تلك الباقات من الحب، حتى في بداية ظهوره على الشاشة كان هناك دائما هذا التقدير عن أدواره الصغيرة مثل فيلم ”محامي خُلع” في مشهد واحد لكنه استحوذ على مشاعرنا، وتعددت الأدوار وعانق النجومية وعرف البطولة في سنوات قلائل، وكان رهانه الحقيقي على الممثل، لقد حسم مبكرا هذا الصراع بين النجم والممثل لصالح الممثل، كان يدرك أن رأسماله الحقيقي هو أن يمنح المبدع بداخله كل المساحة وينسى تماما أنه النجم الذي يأتي اسمه في مقدمة ”التترات” أو أن يحتل المساحة الأكبر على الشاشة. لا ليست هذه هي المعايير التي يستند إليها في اختياراته، ولكنه ينحاز إلى قيمة الدور، وهل هناك نغمة خاصة من الممكن أن يعثر عليها في هذا العمل الفني؟ وبالتالي تتوجه إليه على الفور بوصلته الإبداعية. من النادر أن تجد ذلك بين النجوم، باستثناء توأمه الفني خالد الصاوي، وكانا قد بدءا مشوار الهواية معا وعرفا التألق معا. أتذكر قبل 3 سنوات أن خالد صالح كان بطلا في فيلم ”كف القمر” بينما الصاوي عضو لجنة التحكيم في مهرجان الإسكندرية، ويومها قال لي صالح إنه يستعيد في هذه اللحظة مشوار البدايات قبل ربع قرن. ويواصل متأملا: ”تأتي اللحظة التي أرى فيها الصاوي في لجنة التحكيم وأنا بطل للفيلم الذي يشارك في المسابقة الرسمية”. يقول جبران خليل جبران: ”وردة لإنسان في حياته أفضل من أن تضع باقة ورد على قبره”، خالد صالح كثيرا ما منحناه باقات من الورود في يده وبعد الرحيل نثرنا باقات من الورود على قبره.