من الفوارق بين الغرب والشرق أن الغربيين يعمدون إلى قطع الأذن في الانتقام ونحن في الشرق نفضل قطع الأنف. ولهذا نهدد الخصم فنقول: ”والله ح اكسر خشمك!” يرجع الانتقام والامتهان في الغرب بقطع الأذن إلى أيام اليونان والرومان الذين ابتدعوا هذا الأسلوب. ومن العقوبات الجماعية التي جرت في التاريخ قطع آذان جميع سكان القرية المتمردة. وكانوا يجمعون الآذان في كيس محكم ويسلمونها للحاكم ويعدونها أمامه كدليل على تنفيذ العقوبة. أرجو ألا يسمع البغدادي، زعيم داعش بما أقول فينفذ مثل ذلك على سكان الفلوجة والرمادي. لديه ما يكفي من بشائع العقوبات مما سمعنا. ومن أشهر الوقائع في ذلك المضمار ما جرى بين الرسامين فان غوخ وغوغان. كانا يسكنان معا في باريس وكثيرا ما احتدم النقاش بينهما على عادة الفنانين. ولكنهما تخاصما مرة لا بشأن الفن وإنما بشأن امرأة أحبها فان غوخ. احتدم الخصام بينهما فعض غوغان أذن زميله وقطعها. بادر فان غوخ بشدها في رزمة وبعث بها إلى حبيبته برهانا على مقدار حبه لها. وأشفع ذلك برسم لوحة بورتريه لشخصه تصوره وقد شد مكان أذنه المقطوعة بعصَّابة. وبيعت اللوحة قبل سنوات بعدة ملايين من اليوروات لم تقبض منها تلك المرأة سنتا واحدا. كان غوغان فرنسيا ولكن السيد باتريك نيلي كان إنجليزيا ودخل قبل سنوات في مشادة مع رجل من أعز أصدقائه. والإنجليز يكرهون اعتياديا الصداقات القوية. وهكذا احتد ذلك الصديق يوما في مشاجرة مع السيد نيلي فعضه من أذنه وقطعها. لحسن الحظ كان الطب قد تقدم، وليس مثل أيام غوغان وفان غوخ، فأسرع الرجل والتقط أذنه من فم صديقه الحميم وأسرع إلى المستشفى حاملا إياها. أدخلوه غرفة العمليات فورا وخاطوا أذنه في رجله. نسمع شتى الأخطاء في المستشفيات ولكن هذه من عجائب الزمان أن يتصور جراح أن الناس يسمعون بأرجلهم، أو أنه حاول بدعة جديدة في فن الجراحة تجعلنا نتكلم من فمنا ونسمع برجلنا. وهو شيء ربما يناسب عصر الإرهاب. ولكنني فهمت فيما بعد أن إعادة الأذن إلى مكانها فورا ينطوي على صعوبة. يجب أن تؤتمن وتخمّر في مكان آخر من الجسم لبضعة أيام. وهو ما فعله هذا الجراح ليعيد المستر نيلي كما خلقه الله عز وجل. بيد أن المستر نيلي هذا استطاب هيئته بهذا الشكل الفني العجيب، رجل يحمل أذنه على رجله، ربما طمعا بالحصول على جائزة فنية من دولة ما أو مؤسسة ساتشي للفنون. لم يعد للمستشفى واضطر الجراح أن ينشر إعلانا على وسائل الإعلام ينادي بها الرجل ذا الساق المؤتذنة بالعودة فورا للمستشفى لتصحيح هيئته وحاسة سمعه بحيث يعود فيسمع من رأسه بدلا من رجله. وكل ذلك مما يوضح أن جدع الأنف وعض الأذن لم يعد عقابا فعالا صالحا في المجتمع الحديث بفضل تقدم الطبابة وجراحة زرع الأعضاء.