انتخبت اليونان حكومة جديدة مناهضة للتقشف، وحتى لحظة كتابة هذه السطور على الأقل لا تزال الدولة ضمن منطقة اليورو، ويسود الهدوء الأسواق، ولا تزال الأرض تدور حول الشمس. والآن إليكم الجزء الصعب من الأمر. لا يعني تولي حزب ”سيريزا” السلطة من خلال وعوده بالامتناع عن خفض الإنفاق، وإعادة التفاوض بشأن عبء ديون اليونان، بالضرورة تحقق كارثة زعم مروجو الرعب والقلق أنها ستحدث. ومن أجل الحصول على عدد كاف من المقاعد لتشكيل حكومة، يجتمع رئيس الحكومة المنتخب أليكسيس تسيبراس مع حزب اليونانيين المستقلين الذي يؤيد نوابه في البرلمان بشدة تخفيض الدين. ويحق له إنشاء تحالف يمثل رغبة الناخبين في رؤية تغيير، لكنه سيظل بحاجة إلى الحرص في مناقشة الدائنين في الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والمصرف المركزي الأوروبي. تتمثل المهمة التي أمام قادة اتحاد العملة الأوروبية في منع عدم الارتياح الاقتصادي الذي اتضح في الانتخابات اليونانية من الانتشار بشكل سرطاني. وصرح توماس بيكتي، الخبير الاقتصادي الفرنسي ومؤلف كتاب ”رأس المال في القرن الحادي والعشرين” لإذاعة ”فرانس إنتر” مؤخرا: ”تحتاج أوروبا إلى اغتنام الفرصة التي تقدمها اليونان لعمل تغيير أكبر في سياساتها”، وهو على حق في ذلك. وكانت خطة رئيس المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي، الأسبوع الماضي، التي تقضي بتقديم تيسير كمي، وشراء سندات بأكثر من تريليون يورو، أو ما يعادل 1.12 تريليون دولار، من أجل تعزيز الميزانية، وضخ المزيد من النقود في الاقتصاد، مقامرة كبيرة؛ حيث أصبحت محاولاته مخاطرة غير مأمونة العواقب في ظل غياب مبادرة مقابلة من حكومات أوروبية باتجاه القيام بالمزيد لتفادي الارتداد نحو الركود. ولن يكون من الحكمة السماح بأن تحدد أضعف كتلة وأكثرها إثارة للمشاكل السياسة الاقتصادية للمجموعة بأكملها أو حتى السماح لأن يبدو الأمر كذلك، حتى وإن كان الاتجاه الجديد الذي اختارته هو الاتجاه الصحيح. لذا ينبغي على قادة الاتحاد النقدي اغتنام المبادرة أولا، ثم تغيير نهج الكتلة بأنفسهم استنادا إلى نظرة تشاؤمية للنمو المتوقع والتضخم. وينبغي تخفيف حدة نهج ما بعد الأزمة الساعي نحو تحقيق انضباط اقتصادي، بحيث يقرّ بالحاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات لتعزيز النمو وليس هذا فقط، لأنه ما يطالب به الناخبون خاصة الإسبانيين. الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الإقرار علنا بتغيير النهج، وهو ما يعني قبول ألمانيا بمستقبل أكثر هدوءا واسترخاء من الناحية المالية. وستحتاج اليونان إلى علاج خاص يحافظ على اقتصادها، حيث شهد الشهر الحالي خروج أكثر من 4 مليارات يورو من نظام الدولة المصرفي، إضافة إلى سحب 3 مليارات يورو خلال شهر ديسمبر (كانون الأول)، وهو ما أدى إلى بقاء ودائع بقيمة 157 مليار يورو. ويمثل سحب الودائع من المصارف خطرا حاضرا وواضحا. ومن الواضح أنه لا يمكن الاستمرار في ظل ديون تزيد نسبتها على 170 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وإذا لم يوافق مقرضو اليونان الرسميون على خفض قيمة الدين، فعلى الأقل قد يمنح تأجيلهم للسداد، وخفض معدلات الفائدة، لتسيبراس فرصة تحقيق نصر يرضي مؤيديه. مع ذلك ينبغي أن يدفع الوضع الأساسي لاقتصاد منطقة اليورو، لا تغير توجه الناخبين اليونانيين المفاجئ، قادة الاتحاد الأوروبي نحو تعديل سياساتهم. ومن المرجح أن توضح بيانات، ستظهر في وقت لاحق من الأسبوع الحالي، انخفاض قيمة السلع الاستهلاكية بنسبة 0.5 في المائة خلال الشهر الحالي، وهو ما يمثل امتدادا لانخفاض ديسمبر البالغ نسبته 0.2 في المائة. وفي ظل قلق دراغي من الموقف المتعلق بإقناع صناع السياسات الآخرين بالموافقة على شراء سندات بقيمة 60 مليار دولار شهريا في المستقبل المنظور، يحتاج السياسيون إلى القيام بدورهم؛ وإلا فقد يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل لسبب وجيه كما تشير الانتخابات اليونانية.