كثيرا ما نلاحظ هذه الخلطة بين الأدب والفكاهة. ولمَ لا؟ فالفكاهة من أبواب الأدب والفن، ولكنها كثيرا ما تختلط بالعلم أيضا. نجد ذلك في شتى الشخصيات، كالدكتور فايق شاكر في العراق، والدكتور محجوب في مصر. ومن هذا اللفيف الطبيب والعالم الفرنسي جان روستان الذي ضجّت الصحافة بطرافاته حتى وفاته عام 1977. قضى روستان أربعين سنة في دراسة الحيوانات. وانتهى لهذا الاكتشاف. قال إن من دون كل الحيوانات، تبقى القطط والذباب.. (وما قاله في المرأة) أكثر المخلوقات في إضاعة أطول وقت من حياتها في التبرج وتحسين المظهر! ولا عجب أن يقول ذلك، فقد اشتهر هذا العالم بقلة العناية بمظهره. قيل إنه ذهب إلى الخياط ليصنع له بدلة جديدة، وراح يساومه على السعر ويطلب تخفيضا. فقال له الخياط: ”أعطيك ذلك، ولكن بشرط ألا تذكر أمام أي أحد أنك تشتري ملابسك مني”. وله أقوال حكيمة طالما استشهد بها الآخرون. كهذه النخبة من طرائف القول: ”البشرية مرض من أمراض الكرة الأرضية. أما على الكواكب الأخرى فليس ثمة بشر”. وأنا ألمس مصداق هذا القول كلما سمعت أخبار ما يقوم به ”داعش”. وقال: ”أمام المرء طريقان في الحياة: طريق الخير، وطريق الشر. وعلى العاقل أن يسلك طريق الخير، فطريق الشر مليء بالحفر لكثرة ما سلكه الناس”، ”الحقائق كالنساء. ليست الأكثر سهولة؛ هي الأكثر جمالا وصلاحا”. لم يكن أرمسترونغ قد هبط على القمر بعد، ولكن روستان سبقه، فقال: ”سيذهب الناس للقمر ثم يعودون بين التاسعة صباحا والثانية عشرة ظهرا، مما يتيح الوقت للوقوف في الصف أمام حانوت الجزار”. وكطبيب ممارس قال من خبرته عن الصحة قولا حكيما جدا: ”الصحة هي أن يشكو المرء ألما كل يوم، ولكن في مكان مختلف من جسمه”، ”أفضل الزواج هو ذاك الذي يتذكر فيه المرء أنه عاشق في النهار وزوج في الليل”، ”المتشائم النموذجي هو ذاك الذي يعلن كل يوم نهاية العالم لدى غروب الشمس”. وكثيرا ما لجأ لأسلوب الظرفاء التقليدي، القلب. وطبق ذلك على العلم فقال: ”لا تصدقوا أبدا أولئك الذين يقولون لكم إن الذكاء مركب كيميائي. الحقيقة هي أن الكيمياء نتيجة من نتائج الذكاء”. وعلّق على التقدم التكنولوجي فقال، إنهم في أميركا نشروا كتابا من تأليف آلة إلكترونية تعلم الآلات كيف تستطيع فهم البشر! وسأله يوما الأديب مورياك عن رأيه في الجنة والنار. فتحاشى الإجابة، ولكن مورياك ظل يلح عليه، فقال: ”لي رأي في الموضوع، ولكنني لا أود الإفصاح عنه؛ فلي أصدقاء كثيرون في كلا المكانين”.