كل شيء في الساحة السياسية الجزائرية يدل على أن قائد الجوقة غائب وأن ليس هناك منسق بين العازفين، في جوقة الحكومة والأحزاب الموالية، وقد ظهر الخلل واضحا هذه الأيام خلال الاحتفال بمرور سنة من العهدة الرابعة و16 سنة من حكم بوتفليقة للجزائر، إذ خرج زعماء الأحزاب الموالية، والذين قادوا حربا ضروسا ضد الجزائريين السنة الماضية دفاعا عن الرئيس وأحقيته في البقاء في الحكم، كل يغني غناءه ويدلي بتصريحات تتعارض مع الآخر، خاصة فيما يتعلق بإعادة تعديل الدستور، هذا المشروع الذي تحركه الحكومة، وتنفض عنه الغبار من حين إلى آخر، كلما احتدم النقاش حول الانسداد وغياب معالم الطريق في الساحة، إذ يلجأ رجال الرئيس في كل مرة للحديث عن الدستور، لكن ها هي أربع سنوات تمر، ولم يعدل الدستور، ولا هؤلاء “حشموا على أصلهم”، كما يقول المثل الشعبي، وسكتوا وتحاشوا لوك هذا الكلام لملء الفراغ الممل الذي يعانونه. منذ أيام قال رئيس المجلس الشعبي الوطني، العربي ولد خليفة، إن تعديل الدستور صار قريبا، وذهب حتى إلى “تسريب” شيء مما يحتويه، وهو أنه لا يتضمن منصب نائب الرئيس، وأن العهدات الرئاسية حددت من جديد بعهدتين، والعودة إلى نظام شبه رئاسي، وعودة العمل برئيس الحكومة بدل الوزير الأول… كلام يبدو أنه لم يرق “لغريمه” في جبهة التحرير عمار سعداني، ولا لرئيس مجلس الأمة، فخرج كل منهما يفند بطريقة غير مباشرة كلام ولد خليفة. فأمس جاء في بيان لرئيس مجلس الأمة، بل زعيم الأرندي، أن الصيغة النهائية للدستور في طريق الإعداد لكن لا أحد يعرف متى يكون تاريخ الكشف عنها، وتمريره قد يكون عبر البرلمان. بينما زعيم الأفالان المتعطش للأضواء ولإظهار لخصومه في الأفالان مدى قربه من الرئيس وشقيق الرئيس، فقال مناقضا تصريحاته في جانفي الماضي، إن إعادة النظر في الدستور مؤجلة إلى أجل غير مسمى، بعدما كان يؤكد أن الدستور جاهز وسيطرح على البرلمان في أفريل الجاري. لا! وأكثر من ذلك قال سعداني وكأنه يبرر هذا الانسداد، وعدم جدية المشرفين على هذا المشروع، الذي يراد منه أن يكون أهم إنجاز لبوتفليقة، إن سبب هذا التأخر راجع للمعارضة التي عرقلت المشروع، وحرمت الرئيس من حلم وضع دستور توافقي يشارك فيه الجميع، بينما كان منذ فترة يقول إن المعارضة لا تزن شيئا وأنها لن تؤثر في الساحة السياسية، فمن أين لها هذه القوة اليوم لتحرم الرئيس من تحقيق حلمه، إنجاز مشروع حياته، “دستور”؟! حرموا الرئيس من تحقيق أحلامه، ونحن حرمنا من بناء واقعنا، من العبور ببلادنا إلى بر الأمان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا؟ أفهمونا من فضلكم! هل هناك وثيقة دستور، أم ليست هناك وثيقة دستور؟ أم أن لا أحد يملك الحقيقة، وكل يحاول الاجتهاد حسب ذكائه ويحاول ملء الفراغ حوله ويصرح حسب فهمه، وتأتي التصريحات متناقضة، ويظهر وكأن محيط الرئيس في صراع بعضهم ضد بعض؟! ثم من قال إن الدستور صار أولوية بالنسبة للبلاد؟ أليست الأولوية هي محاولة الخروج من الانسداد؟ ومن يقرر ماذا؟ إذا كانت الحكومة ووزيرها الأول غير قادرة على اتخاذ مجرد قرار تعديل حكومي، ووزير أول غير قادر على فرض وجهة نظره على عناصر حكومته؟ فهل لنا أن نتحدث في هذا الجو الموسوم بالعجز والانتظار عن مشروع دستور توافقي بحجم أحلام رئيس؟! بينما المحاكم تعج بالمحاكمات التاريخية في قضايا فضائح فساد عابرة للقارات؟! الكلام عن تعديل الدستور، لن ينسينا في فضيحة الطريق السيار المفتوحة اليوم أمام مجلس قضاء الجزائر، ولا الفضائح الأخرى المؤجلة في قاعات المحاكم؟! لسنا في حاجة إلى دستور، بقدر ما نحن في حاجة إلى نساء ورجال قادرين على انتشال البلاد من هذا الوباء الذي ينخرها؟!