حاولت حواء الجزائرية لفترة من الزمن ترتيب مشروع الزواج في آخر قائمة أولوياتها، غير أن ظاهرة الزواج المبكر عادت للمجتمع الجزائري بعد تراجع ملحوظ لسنوات قلائل. والجديد في الأمر هي سلسلة الأسئلة والاستجوابات التي يطرحها الأقارب والمعارف على أولياء الفتيات يلومونهم فيها على قبولهم تزويج بناتهم في سن مبكرة. ”عادت ريمة لعادتها القديمة”.. هذا ما قالته لنا إحدى السيدات اللواتي جلسن بقربنا في حفل زفاف فتاة لم يمض من عمرها سوى 18 ربيعا، ولا تعد هذه الفتاة حالة وسط نظيراتها. وبينما مرت أمسية حفل الزفاف في جو بهيج، لم تخل من كثرة الأسئلة تجاه الأم التي كانت في موقف يشبه المعتدي على شخص ما، بسبب أن ابنتها تدخل بيت الزوجية في سن مبكرة، وأغلبية المدعوات حضرت معهن بناتهن اللواتي يتجاوزن العروس بعشرات السنين. في حين أن أجوبة الأم كانت مقنعة إلى حد بعيد فهي التي أنجبت أربع فتيات، ثلاثة منهن تجاوزن الثلاثين من العمر ومازلن عازبات، بسبب أن العائلة كان يتقدم لخطبة بناتها الكثيرون لكن غلاء المهور كان سببا في عدم عودتهم، وكذلك سنوات الدراسة التي لم تشأ أي من أخوات العروس تركها أو مزاولتها وهن في بيت الزوجية، ومسببات أخرى اجتمع فيها العائق الاجتماعي مع العائق المادي.. لتكون الحصيلة 3 فتيات عازبات. لتقول الأم:”لم أرد أن أكون عائقا أنا كذلك بعد موافقة ابنتي الرابعة على الزواج، لعلها تكون فأل خير على أخواتها”. من جهة أخرى تبادلنا أطراف الحديث مع سيدة تزوجت حديثا، ديهيا، 25 سنة، قالت:”كنت أرفض فكرة الزواج المبكر، لكن بعد أن تقدم لخطبتي زوجي تغيرت نظرتي، خصوصا أنه فتح لي باب فرصة العمل والاهتمام بمختلف النشاطات، وأنا التي كنت قبلا أرى أن الزواج مهدد لمواصلة مشاريعي المستقبلية”. ليرفع الفايسبوكيون شعارات أهمها ”لا لغلاء المهور في الجزائر”، ”الشعب يريد الزواج”، ”معا لتيسير الزواج”.. أرادوا من خلالها توجيه رسالة للأولياء بعدم المغالاة ي مهور بناتهم، وأن يحرص الولي على اختيار شريك حياة ابنته من الشاب الذي يقدرها ويقدس الحياة الزوجية بحلوها ومرها. كما بادر عدد من الجمعيات الدينية إلى تحديد المهور لتيسير الزواج على الشباب، ومثال ذلك ما أقدم عليه أئمة مدينة بريكة شرق العاصمة، الذين أطلقوا مبادرة للقضاء على العنوسة بتحديد المهر ب 60 ألف دج. يأتي هذا بعد أن باتت العنوسة تشكل هاجسا لأكثر من 11 مليون فتاة جزائرية تجاوزت سن 25 سنة، من بينهن خمسة ملايين تجاوزن سن الخامسة والثلاثين سنة، وبمعدل زيادة يقدر ب 200 ألف عانس سنويا، من مجموع عدد السكان الذين يقدر عددهم ب 40 مليون نسمة، حسب إحصائيات سجلها الديوان الوطني للإحصاء في تقرير له نشر مطلع السنة الجارية. وحسب الدراسة التي أنجزتها الباحثة آمال عيسى من جامعة البليدة السنة الفارطة، فإن ”الأوضاع الاقتصادية السيئة التي عاشتها الجزائر خلال العشرية السوداء منذ أواخر سنة 1991 حتى بدايات سنة 2001 تأتي في قائمة أسباب ظاهرة العنوسة”. وأكدت في بحثها المعنون ”ظاهرة العنوسة في الجزائر”، أن ”الظروف الاقتصادية الصعبة للشباب أدت إلى تأخر سن الزواج لبعضهم وهجرة البعض الآخر إلى أوروبا وأمريكا، ما انعكس سلبا على تأخر سن زواج الفتيات”. وقد حذر خبراء اجتماعيون من خطورة تنامي ظاهرة العنوسة على الأمن الاجتماعي للجزائريين، في ظل غياب خطة شاملة لتشجيع الشباب على الزواج. وتدخل في هذا الشأن حتى السياسيون مثل نعيمة صالحي، رئيسة حزب العدل والبيان، التي قالت أنه ”يجب على الدولة تشجيع الشباب على الزواج عن طريق إنشاء صندوق وطني لمساعدة المعسّرين الراغبين في الزواج، وتمكين الشباب من حقه في العمل والسكن، كونهما العائقان الرئيسيان أمام الزواج في الجزائر”.