يخبرنا التاريخ أن ما يقوله السياسيون أثناء الحملات الانتخابية يقدم دليلاً يوضح كيفية إدارتهم لشؤون البلاد. مع ذلك، سوف يحاول كثيرون في وسائل الإعلام الإخبارية أن يجعلوا حملة عام 2016 الخاصة بالانتخابات الرئاسية الأميركية تتمحور حول أشخاص لا قضايا. والصفات الشخصية ليست أمرًا منبت الصلة عن الحملات الانتخابية تمامًا؛ فمن المؤكد أن الرئيس القادم سوف يواجه قضايا ليست على جدول أعمال أي شخص حاليًا؛ لذا من المهم معرفة كيف سيتفاعل مع تلك الأمور. مع ذلك، ليست الصفات الشخصية الأهم هي تلك التي تحب الصحافة التركيز عليها، بل في الواقع، إنها تصرّ على عدم التطرق إليها. كما ترى لا ينبغي أن تهتم بما إذا كان مرشح ما شخصا ترحب بالجلوس معه. كذلك لا ينبغي أن تكترث بعاداتهم التي تتعلق بإنفاق المال، إلا إذا كان الأمر يتضمن فسادا واضحا. وما ينبغي أن تهتم به حقا في عالم لا يفتأ يفجر مفاجآت كريهة في وجوهنا، هو الأمانة الفكرية، والرغبة في مواجهة الحقائق حتى إذا كانت تتعارض مع الأفكار المسبقة للمرء، والعزم على الاعتراف بالخطأ، وتغيير المسار. وكما يمكنك التخمين، يخطر ببالي الآن، بوجه خاص، مجال الاقتصاد الذي لا تتوقف فيه المفاجآت الكريهة. إذا لم تهز أي من الأحداث التي شهدتها الأعوام القليلة الماضية أيا من معتقداتك الاقتصادية الراسخة، فإما أنك لم تكن منتبهًا، أو لم تكن صادقا مع ذاتك. وتعد مثل هذه الأوقات دعوة إلى الجمع بين انفتاح العقل، والرغبة في الاستمتاع بالأفكار المختلفة، وبين الإصرار على القيام بأفضل ما يمكنك فعله. وكما ذكر فرانكلين روزفلت في خطابه الشهير: ”تحتاج الدولة إلى تجريب جريء مثابر. ومن المنطقي اختيار طريقة وتجربتها، فإذا فشلت، ينبغي الاعتراف صراحة بهذا الفشل وتجربة طريقة جديدة، لكن الأهم من كل هذا هو تجربة شيء ما”. هل توقعت تضخما سريعا لم يحدث أبدا؟ تزيف الحكومة الدفاتر المالية، وإضافة إلى ذلك أنا لم أقل ما قلت فقط من أجل توضيح الأمور، أنا لا أدعو إلى وضع نهاية لوجود الآيديولوجيا في السياسة، لأن هذا مستحيل؛ فالكل لديه آيديولوجيا، ونظرة لكيفية سير العالم، وتصور للطريقة التي ينبغي أن يسير العالم بها. بالطبع، كثيرا ما تكون أخطر وأكثر الآيديولوجيات تهورًا هي تلك التي يتصور أصحابها أنهم بلا آيديولوجيا، ومن الأمثلة على ذلك، الشخص الذي يقدم نفسه كمنتم إلى تيار الوسط؛ فلا يدرك تحيزاته. وليس عدم تبني آيديولوجيا هو ما ينبغي السعي إلى تحقيقه في نفسك وفي الآخرين. ويؤسفني القول إن الصحافة تتجه إلى عقاب انفتاح العقل؛ فالصحافة التي تتصيد الأخطاء أسهل وأكثر أمانا من تحليل السياسات. خلال حقبة التسعينات دعمت هيلاري كلينتون اتفاقيات التجارة، لكنها الآن تتخذ موقفًا منتقدًا تجاهها. ويمثل هذا تحولاً أو ربما درسًا من التجارب، وهو أمر جدير بالثناء لا بالانتقاد. ما هو وضع الأمانة الفكرية في هذه المرحلة التي نمر بها من الدورة الانتخابية؟ سيئ للغاية، على الأقل في المعسكر الجمهوري. على سبيل المثال، صرح جيب بوش بأنه ”رجل لا يملي عليه أحد قراراته” فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لكن تضمنت قائمة المستشارين، التي تداولها معاونوه، أمثال بول وولفويتز، الذي توقع أن يرحب العراقيون بنا كمحررين، ولم تبد عليه أي علامة تدل على أنه تعلم من حمامات الدماء التي حدثت بالفعل. بيت القصيد هو أننا لا نتحدث فحسب عن ارتكاب أخطاء في قضايا سياسية بعينها، بل نتحدث عن عدم الاعتراف بالخطأ، وعدم مراجعة الآراء. ويعد عدم القدرة على الاعتراف بأنه قد جانبك الصواب من العيوب الخطيرة في الشخصية، حتى إذا كانت عواقب رفض الاعتراف لا تقع إلا على قلة قليلة من الناس. مع ذلك، ينبغي احتساب الجبن الأخلاقي ضمن الصفات التي لا تؤهل شخصا إلى شغل منصب رفيع المستوى. فكّر في الأمر، بفرض أن الرئيس المقبل سيواجه أزمة ما سواء كانت اقتصادية، أو بيئية، أو خارجية، لم تأت ضمن فلسفته السياسية الحالية؛ فكل شيء ممكن جدا في النهاية. نحن حقا لا نريد أن تكون مهمتنا هي الاستجابة لتلك الأزمة التي تسبب بها شخص لا يزال عاجزا عن الاعتراف بأن غزو العراق كان أمرًا كارثيًا، ويرى أن إصلاح الرعاية الصحية كان كذلك. وما زلت أعتقد في ضرورة تحول تركيز الانتخابات بالكامل نحو القضايا، لكن إذا كان لا بد أن نتحدث عن الشخصيات، فلنتحدث إذن عن الجوانب المهمة وهي الأمانة الفكرية.