هزتني صورة الرضيع علي الدوايشة الذي أحرقه مستوطنون هاجموا بيت أهله بزجاجات حارقة في قرية جنوب نابلس. هزتني هذه الجريمة في حق البراءة، مثلما هزتني قبلها صور المجازر التي اقترفتها إسرائيل في اعتداءاتها المتكررة على غزة، وقبلها على جنوبلبنان في صائفة 2006. ومن لا تهزه وتؤلمه صور الشر والجرائم ضد الإنسانية فليس بالإنسان السوي. لكني للأسف لم أمنع نفسي وأنا أتألم لمنظر الصورة المشوهة، وثياب الرضيع ممزقة ومحترقة، لم أمنع نفسي من مقارنة، مقارنة الصورة بصورة أخرى، بل بصور أخرى، الصورة الأولى تلك التي نشرت عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار لعرس نجل دحلان القيادي السابق في حركة فتح وأحد رجال عرفات رحمه الله. العرس الذي أقيم في القاهرة واستمر يومين وبلغت تكلفته أزيد من مليوني دولار، وحضره أكثر من 400 ضيف من جنسيات مختلفة، هكذا جاء في مواقع الأخبار الفلسطينية. والأمر يتعلق بفستان العروسة المرصع بمئات جواهر اللؤلؤ… لم أستطع أن أبعد الصورة من ذهني وأنا أرى عذاب الوالد وغضب الفلسطينيين وهم يدينون إسرائيل عن هذه الجريمة الأخرى التي تضاف إلى ملايين جرائمها. وتذكرت أيضا حماس التي يتجول رجالها في فنادق 5 نجوم ويرسلون رجالهم لمحاربة حزب الله في سوريا، ومن يدري ربما أيضا للمشاركة في العدوان الذي تقوده المملكة السعودية ضد اليمن، وما يقومون به من زعزعة لمصر مساندة للزعيم الإخواني الذي أسقطه انقلاب العسكر في 2013. تحضرني قلت جملة من الصور، بل صور كثيرة تراكمت هذه الأيام، آتية من العراقوسوريا واليمن وليبيا، وحيثما حل الربيع الصهيوني في الوطن العربي. ومثلما هزتني صورة رضيع فلسطيني، هزتني قبلها صور لأطفال فجرتهم قنابل الطيران السعودي التي تصب حممها يوميا على مدن اليمن، وأحرقت رضعا وأمهات وشيوخا ومدنيين عزل، آخرها صورة لرضيع يمني حرقه طيران التحالف ضد الحوثيين، نفس التشوهات ونفس العمر ونفس الجريمة، إحداهما موقعة من قبل التحالف، والأخرى موقعة من إسرائيل. تحضرني صور أطفال العراق الذين تآمر العرب ضدهم عقودا، وبناته اللواتي سبتهم داعش وقتلت وباعت بعضهن في أسواق الرقيق، لأن جريمتهن أنهن مسيحيات أو إيزيديات، وصورة الرضيع الذي قتلت داعش أبويه، ثم ربطته بحزام ناسف وفجرته.. هو الآخر رضيع لا يتجاوز بضعة أشهر، وصور الأطفال السوريين يموتون تحت ثلوج المخيمات وبالغازات السامة والبراميل المتفجرة، والهائمين عبر الحدود الباحثين عن وطن يأويهم، الجريمة واحدة والصورة بنفس البشاعة، لكن التوقيع مختلف، والإدانة أيضا. فبينما تقابل صور أطفال اليمن بالتعتيم الإعلامي ونوع من مباركة الجريمة، ويسكت العرب تواطؤا مع جرائم داعش ولا يجرؤ أحدهم على إدانتها بمن فيهم الشعب الفلسطيني الذي سانده العرب وكل الشعوب العربية وحملت قضيته في وجدانها وجعلتها قضيتها الأولى، تلتهب صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام منددة بالجريمة الصهيونية. نعم الجريمة الصهيونية مدانة وكل جرائم إسرائيل مدانة، لكن من خان القضية الفلسطينية وساعد وأيد نشر الفوضى في الوطن العربي لتغرق جرائم إسرائيل وسط بحر من الجرائم الأكثر بشاعة، وننسى القضية الفلسطينية ولا تعود تحتل المكانة الأولى في أخبارنا؟ بل لم يعد هناك من يساندها حتى بالكلام، لأن كل البلدان التي أيدت وسلحت وحاربت من أجل فلسطين تعيش اليوم الفوضى العارمة وجرائم أكثر بشاعة من كل جرائم إسرائيل مجتمعة، وهل هناك جرائم أكثر بشاعة من جرائم داعش؟ وتدفع هكذا الثمن مضاعفا، ويبقى شعب فلسطين الأعزل يواجه خيانة الدحلان ومشعل وقريع وغيرهم، هؤلاء الذين تاجروا بقضيتهم وبأرواح أبنائهم يواجهون أبشع أنواع الاحتلال، ويبتعد كل يوم حلم الحرية آلاف الكيلومترات ويتآمر الجميع، العرب والغرب، على قضيتهم، ألم يصرح المدير العام بوزارة الخارجية الإسرائيلية “دور ڤولد” أن الدول العربية السنية هي حليفة لإسرائيل، ونشرت تصريحاته “هآرتس” الإسرائيلية الخميس؟!