رافع مجموعة من الباحثين وأولياء المفقودين لقضية فتح ملف المفقودين الجزائريين في تونس، والذين لا زالت لحد الساعة مصائرهم مجهولة، في ندوة بفندق ”صابري” في إطار مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي، وشارك فيها كل من البروفيسور فؤاد بوقفة، والأستاذ الجامعي محمد بن صالح، إضافة إلى الناطق باسم جمعية المفقودين في البحر كمال بلعابد والأستاذ الجامعي سعيدي عاشور، والمنشط الإذاعي يوسف سايح، إلى جانب المخرجة الفرنسية ليتيا كورا. عالج المشاركون في الندوة، إشكالية تموقع المهاجرين في العالم المستهلك في ظل العولمة من خلال تشريح أسبابها اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا، مركزين على خطورة الشبكات المافياوية التي تتاجر بالبشر عبر حوض المتوسط، وضرورة إيجاد الحلول الجذرية في التعاطي مع الظاهرة التي باتت تهدد أمن واستقرار جنوب المتوسط وشماله، وتطرق المتدخلون إلى أهمية السينما اجتماعيا وتربويا في تفكير وخيارات الشباب، داعين إلى ترسيخها كثقافة مساهمة في توعية هؤلاء وشرح أخطار هذه الظاهرة، وأن تعزز الفكرة بإعادة الاعتبار لدور السينما في الجزائر واستقطاب المشاهدين بإنتاج سينماتوغرافي هادف، واقترحوا تأسيس نادي للسينما بعنابة. امتزجت الأطروحات الفكرية والعلمية، والقانونية، بالتجارب المستنبطة من الواقع المرّ لمعاناة الشباب الأفارقة والشمال إفريقيين، حيث حضر أولياء ”حراڤة” مفقودين وسردوا كيف اختار أبناؤهم ركوب قوارب الموت باتجاه المصير المجهول نحو الضفة الشمالية، عارضين صورا لفلذات أكبادهم الذين تجاوز عددهم 400 مفقود، ومشيرين إلى ما وصفوه بالعذاب الذي يعيشونه وما نجم عنه من أعراض وتبعات سلبية. وثمن المشاركون في الندوة في ختام أشغالها عودة التظاهرة السينمائية المتوسطية إلى مدينة عنابة، وما ستحمله من آفاق واعدة في شتى المجالات محليا ووطنيا. كمال بلعابد: أبناؤنا ليسوا مجرد أرقام يقول كمال بلعابد، وهو أحد الأولياء الذين فقدوا أبناءهم عند محاولته الهجرة بطريقة غير شرعية باتجاه إيطاليا، أنه يعمل رفقة مجموعة أولياء الحراڤة المفقودين في تونس على كشف مصير أبنائهم، مضيفا بأنهم لن ييأسوا حتى يتوصلوا إلى الحقيقة. وتساءل بلعابد عن مصير مئات الشباب الجزائريين المفقودين في الأراضي التونسية، خصوصا وأنهم تلقوا مكالمات ويملكون الأرشيف المتعلق بذلك عند أحد متعاملي الهاتف النقال، وفيه الدليل على اتصالات الحراڤة عند وصولهم إلى تونس، ولكن بعد ذلك لم يظهر لهم خبر، وهو ما يدل على تورط كبار المسؤولين في عهد النظام التونسي السابق في ما حصل. وتحدث بلعابد عن الألم الذي تعايشه عائلات المفقودين ومنهم من رحلوا دون معرفة مصير أبنائهم، مع العلم أن بعض العائلات فقدت اثنين من أبنائها دون معرفة أي شيء عنهما منذ ما يقارب العشر سنوات، مضيفا بأسى واضح، أن الشباب دفعتهم الظروف القاهرة إلى الهجرة غير الشرعية والبحث عن حياة أفضل في الضفة الأخرى. وأعطى المتحدث مقارنة بما كان في الماضي حيث كان الجزائريون يتنقلون إلى الدول الغربية ببطاقة التعريف، غير أنه حاليا تم تشديد إجراءات السفر والتي لا تمر إلا باستلام الفيزا التي هي في حد ذاتها مشوارا طويلا لا يكلل عند الكثيرين بالنجاح، ما يجعلهم أمام حتمية واحدة وهي الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت، وهو الأمر الذي لا يلاقيه، حسب بلعابد، أولاد المسؤولين الذين يسافرون بكل حرية بحكم مناصب أوليائهم. واستغرب بلعابد سوء المعاملة التي يتعرض لها الحراڤ في وقت يتجول رجال المافيا وبارونات المخدرات بكل حرية، وبإمكانهم الخروج من بلدانهم بسهولة كبيرة، وهو ما يظهر مدى التناقض الحاصل في المنظومة الاجتماعية والحاكمة ككل، مضيفا أن الحراڤ هو مواطن لم يتحمل ظروف العيش القاسية والمذلة، ما جعله يختار الهجرة ولا يعتبر هاربا من القانون. وانتقد كمال بلعابد تعامل السلطات الأجنبية مع ضحايا الحرڤة، قائلا ”أبناؤنا ليسوا مجرد أرقام ويجب مراعاة شعور أوليائهم”، وأعطى مثالا بابن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر الذي ضاع في رالي داكار وسخرت له مجموعة من البلدان ترسانة من الطائرات والمعدات للبحث عنه في وقت يضيع أبناؤنا دون معرفة مصيرهم.