سعت السلطات المخولة قانونيا لإحكام قبضتها على تجارة الأسلحة الخفيفة في الجزائر منذ سنوات، غير أن تردّي الوضع الأمني على الحدود مع ليبيا ومالي وضعها في مواجهة مع مهربين من نوع جديد.. فمن الوقود والمخدرات، باتت تجارة الأسلحة نشاطا يدّر الملايير بمجرّد عبور قطع السلاح الحدود إلى الجزائر، خاصة أن التسلّح لم يعد حاجة تقتصر على مصالح الأمن والمسؤولين وباتت بنادق الصيد، والذخيرة الحيّة في متناول الجميع وحتى المسدّسات الآلية التي يروج لها عبر صفحات فايسبوك. تشير تقارير لمصالح الجيش والدرك أن أغلب الأسلحة التي يتم حجزها خلال الحواجز والدوريات الأمنية، أو بناء على مذكرات تفتيش قانونية لمنازل الأشخاص المشتبه فيهم، تتمثل عادة في بنادق صيد تحصّل عليها مالكوها خلال العشرية السوداء، لاسيما في المناطق الداخلية المعزولة، فيما ورثها آخرون دون الحصول على رخصة تسمح بملكيتها من السلطات المؤهلة قانونا، وعادة ما يتم حجز تلك البنادق بعد تورط ماليكها في جرائم اعتداء جسدي أو قتل عمدي، أو خلال شلّ نشاط عصابات إجرامية. وأغلب البنادق المنتشرة في السوق السوداء تقليدية يتم تصنيعها في ورشات سريّة مموهة بنشاطات أخرى في بعض ولايات الوطن، على غرار ولاية تبسة، أين أحصت مصالح الأمن مداهمات استهدفت عديد ورشات تصنيع الأسلحة، أين تم حجز كميات معتبرة من الذخيرة الحيّة والمواد المستعملة في التصنيع. كما تنتشر ورشات صناعة الأسلحة التقليدية في ولاية سطيف، على غرار البنادق والمسدسات الخفيفة المستعملة في الصيد أو في إطلاق بارود خلال الأعراس والأفراح. وتشير الأرقام المتوفرة لدى مصالح الأمن أنه خلال السنة الفارطة والستة أشهر الأولى من السنة الجارية، استرجعت مصالح الدرك الوطني 963 قطع سلاح مختلفة، منها 655 قطعة سلاح تتمثل في بنادق صيد ومسدسات خفيفة، وأكثر من 15 ألف طلقة رصاص. وخلال تسعة أشهر الأولى من السنة الجارية، عالجت مصالح الدرك الوطني بالولايات الشرقية لوحدها 480 قضية متاجرة بالأسلحة النارية والذخيرة الحية من أصل 485 قضية تم على إثرها توقيف 538 شخص، مع حجز 81 قطعة سلاح منها 48 بندقية، ستة مسدسات، أربعة أسلحة عسكرية، 13110 طلقة من عيارات مختلفة ،66517 كلغ من ”ساشام” و145129 كلغ من مادة البارود. ويتنشر هذا النوع من التجارة في ولاية باتنة التي احتلت الصدارة ب81 قضية اتجار بالأسلحة، عنابة ب 64 قضية، إضافة إلى 60 قضية في برج بوعريريج، ونفس العدد في جيجل، مع 45 قضية في ولاية سطيف. فيما تتمثّل باقي الأسلحة في بنادق حربية رشاشات ”كلاشنكوف”، والتي يتم ضبطهما عادة في مخابئ للأسلحة تابعة للجماعات الإرهابية. وحسب مصدر أمني فإن الأسلحة التي يتم استرجاعها عادة ما ترسل إلى معهد الأدلة الجنائية التابع للدرك الوطني، أين يتم فحصها وإعداد تقارير حول منشأها وطريقة تهريبها. صفقة لبيع ”ماكاروف” على فايسبوك كان اقتناء قطعة سلاح يحاط بسرية تامة ولابد من وسيط موثوق لتمكين المشتري من طلبه، ولكن الجديد أن تُنشر إعلانات الأسلحة على شبكات التواصل الإجتماعي فايسبوك بطريقة لا تختلف مع ما تنشره المواقع الإشهارية المختصة في الترويج للأسلحة في الدول الغربية. قبل أسبوعين، وخلال تصفحنا شبكة التواصل الاجتماعي، صادفتنا صورة سلاح من نوع ”بيا ماكاروف” عيار تسعة مليمترات، عرضت صورته على الشبكة وكان مالكه يبحث عن مشتري بعدما عرض مواصفات السلاح الذي يحوي على مخزن وستة خراطيش وزر الأمان. وأكّد البائع في إعلانه أن قطعة السلاح ”نقية” ولا تحوي على رقم تسلسلي، والأغرب أنه كان يقدم ضمانا للمشتري، وكتب بالحرف الواحد ”خاوتي آلي راه أنتيريسي يساوم”. بدأت طلبات الشراء تتهاطل في نفس الصفحة ولم يقل السعر عن 3.5 مليون سنتيم ووصل في أقل من 24 ساعة إلى خمسة ملايين سنتيم. وعند هذا السعر اختفت صورة السلاح من الصفحة بعدما استقبل صاحبها رسالة مشفرة تشير أن ما يقوم به نشاط محظور يمكن أن يدخله في متاعب، خاصة أن البائع لم يتوان عن التصريح أن السلاح يعود إلى عسكري سابقا. وحذّر مصدر أمني أن بعض الأسلحة التي يتم بيعها سبق أن تم الإستيلاء عليها إثر اعتداءات طالت عناصر الأمن قبل سنوات. وفي السياق، قدّمت مؤخرا فرقة الدرك الوطني للقنطرة بولاية بسكرة شخصا في العقد الرابع من العمر أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة بسكرة، ويتعلق الأمر بالمدعو ”أ.ب”، يعمل كناقل، الأخير صدر ضده أمر بإيداع رهن الحبس المؤقت بتهمة حيازة سلاح ناري والتزوير واستعمال مزوّر. المتهم كان قد تقدّم إلى مقر الدرك الوطني وطلب تسوية وضعية قطعة سلاح ورثها عن والده، وتبين من التحقيق أن قطعة السلاح قد تمّ تغيير رقمها التسلسلي وهي محل تحقيق من قبل مصالح الدرك الوطني بولاية تلمسان، بعدما سُرقت من صاحبها من دوار سيفا بمدينة أولاد ميمون من قبل مجموعة إرهابية سنة 1993. وتعرف قضايا حيازة الأسلحة والذخيرة الحية المعروضة على العدالة ارتفاعا في عدد من الولايات، لاسيما الداخلية والجنوبية منها، فيما تقل في العاصمة، حيث يشكل الإتجار بالأسلحة ما معدله 16 .18 بالمئة من معدل الجريمة المنظمة في الجزائر. وبخصوص زبائن مهرّبي الأسلحة على الحدود مع الجزائر، أفاد مصدر أمني أن كثيرا من أبناء المسؤولين يحترفون تجارة الأسلحة ولكن ليس لتحصيل الأموال كما يعتقد البعض، بل يجدون منها هواية تزيد من ”البرستيج”، وعادة ما ترافقهم تلك الأسلحة في خرجاتهم اليومية وتشاهدها بحوزة البعض خلال تردّدهم على الملاهي الليلية، أين لا يتردد بعضهم في إطلاق عيارات نارية وهو في حالة متقدمة من السكر. وأشار ذات المصدر إلى نجل موظف سام في الأمن يقوم باقتناء قطع أسلحة مهربة من تونس بمبلغ لا يتجاوز خمسة ملايين سنتيم، ليقوم بإعادة بيعها بمبلغ لا يقل عن 12 مليون سنتيم. زاد الاتجاه نحو التسلّح في الجزائر خلال العشرية السوداء، لاسيما في المناطق المنعزلة التي عانى سكانها من ويلات الإرهاب الهمجي، وكان الحل الوحيد رخصة لبندقية علّها تنفع في الدفاع عن النفس. كما زادت في تلك الفترة طلبات رخص حمل سلاح من قبل موظفين في أجهزة حساسة. ولكن وحسب متتبع للوضع فإن حمل السلاح بات ضرورة حتمية لعدد من رجال المال والأعمال بل حتى حراس الملاهي الليلية.. عقوبات تصل إلى السجن المؤبد لتجار الأسلحة سنّ الأمر رقم 97 - 06 المؤرخ في 12 رمضان عام 1417 الموافق 21 يناير سنة 1997، القوانين المتعلقة بالعتاد الحربي والأسلحة والذخيرة الحية، حيث يحظر صناعة العتاد الحربي والأسلحة والذخيرة، كما يحظر استيراده وتصديره والمتاجرة به واقتنائه وحيازته وحمله ونقله. ويفرّق القانون بين العتاد الحربي من الصنف الأول والثاني والثالث، حيث تحتكر حسب القانون وزارة الدفاع الوطني مراقبة صناعة واستيراد وتصدير الأسلحة والذخيرة المنتمية للأصناف الأول والثاني والثالث. وتصنف الأسلحة وعناصرها التي لا تعتبر عتادا حربيا حسب ذات القانون في الصنف الرابع المتمثل في الأسلحة الحربية الدفاعية و ذخيرتها، وكذا العتاد وتجهيزات الحماية من الرصاص. أما الصنف الخامس فيتمثل في أسلحة الصيد و ذخيرتها، الصنف السادس يتعلق بالسلاح الأبيض، الصنف السابع يضم أسلحة الرماية والأسواق والمعارض وذخيرتها. أما الصنف الثامن فيتمثل في الأسلحة والذخيرة التاريخية والأسلحة المستعملة في مجموعة ”نماذج”. حدّد قانون الأسلحة والعتاد الحربي عقوبة السجن المؤبد ضد كل من صنع العتاد الحربي أو استورده أو صدّره أو تاجر به بدون رخصة من السلطة المؤهلة قانونا، حيث تنص المادة 27 أنه ”كل من صنع أو استورد أو صدر أو تاجر بدون رخصة من السلطة المؤهلة قانونا، الأسلحة والذخيرة وكذا العتاد والتجهيزات المنتمية للصنف 4، يعاقب بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة من 1.000.000 دينار إلى5.000.000 دينار”، فيما تنص المادة 28 أنه ”كل من صنع أو استورد أو صدر أو تاجر، بدون رخصة من السلطة المؤهلة قانونا، الأسلحة والذخيرة المنتمية للصنف 5 يعاقب بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى 10 سنوات و بغرامة من 500 ألف دينار إلى 3.000.000 دينار”. وأشارت المادة 29 من نفس القانون أنه ”كل من قام بصنع سلاح أو ذخيرة من الصنف 5 للاستعمال الشخصي، بدون رخصة من السلطة المؤهلة قانونا، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين و بغرامة مالية من 50 ألف دينار إلى 200 ألف دينار. وجاء في المادة 30 أنه ”كل من صنع أو صدر أو تاجر بدون رخصة من السلطة المؤهلة قانونا، الأسلحة والذخيرة المنتمية للأصناف 6 و7 و8، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من 200 ألف دينار إلى 500 ألف دينار”. هؤلاء هم المسموح لهم بحيازة سلاح.. وحسب المادة 13 يمكن أن يرخّص للإدارات العمومية التي يتعرض أعوانها إلى أخطار الاعتداءات أثناء ممارسة ووظائفهم، اقتناء وحيازة بعض الأسلحة والذخيرة. فيما حصرت المادة 14 من نفس القانون الأشخاص الذين بإمكانهم الحصول على سلاح لشركات الحراسة المختصة في نقل الأموال والمواد الحساسة، فضلا على المؤسسات والشركات العمومية والخاصة التي من واجبها ضمان حماية ممتلكات و أمن الأشخاص التابعين لها. كما ترخص المادة 15 للشركات الرياضية للرماية المؤسسة قانونا والمعتمدة، اقتناء وحيازة بعض الأسلحة والذخيرة من الأصناف الأول، الرابع، السادس والسابع ضمن الشروط المحدّدة. وحسب المادة 16 يمكن أن يرخص للأشخاص الطبيعيين، إما بقوة القانون بسبب وضعيتهم الاجتماعية أوالمهنية، وإما بسبب الظروف الخاصة، اقتناء وحيازة بعض الأسلحة و الذخيرة من الأصناف الأول، الرابع، الخامس، السادس والسابع . ويستثنى من ذلك القصر الذين تقّل أعمارهم عن 18 سنة بالنسبة للأسلحة التابعة للأصناف 1 و 4 و5، والأشخاص الممنوعين من التصرف، فضلا على الأشخاص الذين تمت معالجتهم في مستشفى الأمراض العقلية والأشخاص المحكوم عليهم بسبب جناية أوجنحة ضد الشيء العمومي والمساس بالأدب العامة أو الاتجار أو التعاطي غير الشرعي للمخدرات أو التهريب أو السرقة أو الاعتداء أو التهديدات الكتابية أو الشفهية أوالاحتيال وخيانة الأمانة، أو العنف أو التمرد تجاه أعوان السلطة العمومية أو ممثليها، إضافة إلى الأشخاص المحكوم عليهم بجنحة تكوين جمعية غير شرعية والأشخاص الذين ضيعوا بإهمالهم سلاحهم الذي حازوه بصفة قانونية..