باسم الدين والشرع والشرعية سعى ”الإخوان المسلمون” إلى تثبيت أركان حكمهم لمصر على مدى سنة كاملة، لكن التيار ضدهم كان أقوى من خطابهم السياسي واستخدامهم للدين ولعبهم على وتر ”الإسلام هو الحل”، فأزاحهم الشعب عن الحكم بعدما رأى الدولة تتفكك والمؤسسات تنهار والحدود تستباح. وباسم الدين والشرع والشرعية يتنازع جناحان داخل جماعة ”الإخوان” الآن وكلاهما يروج أنه الأقوى بالشرع والأحق بالشرعية والأكثر تمسكاً بالدين! وصف ”الإخوان” ما جرى في حزيران (يونيو) 2013 بالانقلاب ولم يتوقفوا عن الترويج لشعار ”رابعة”، باعتباره معادلاً للانقلاب وبديلاً عنه ومذكراً بالمحنة التي عصفت بهم والحكم الذي كان في أياديهم وانتُزع منهم، ولم تتوقف وسائل إعلام الجماعة والقنوات الداعمة للتنظيم التي تبث من خارج مصر عن إلصاق صفة ”الانقلابيين” بكل من أيد عزلهم عن الحكم. لكن الجماعة تعاني الآن انقلاباً في هيكلها التنظيمي وبنائها الحركي ومستوياتها القيادية، ويبدو وكأن رموزها أدمنوا ترديد لفظ ”الانقلاب” فبدأوا في استخدام الصفة نفسها للإشارة إلى ما جرى داخل التنظيم. وما يثير الدهشة أن الأسلوب الذي أتبعه الجناحان المتصارعان داخل التنظيم في التعاطي مع الأوضاع في مصر بعد 30 حزيران (يونيو) 2013 هو نفسه الذي يتبعانه الآن في إدارة المعركة بينهما. وبينما يترنح الانقلاب داخل ”الإخوان”، فإن الدولة المصرية تزداد تماسكاً وتمضي في إعادة بناء المؤسسات وإصلاح ما خُرّب بفعل تداعيات ”الربيع العربي”. وقائع الانقسامات داخل جماعة ”الإخوان” سببها الأساس تنافس على الزعامة بين قادتها خارج السجون، طفا على السطح منذ ما يقرب من ثلاثة شهور. والصراع ليس بين ”إخوان” الداخل والخارج، وإنما بين جناحين متداخلين، يقود الأول القائم بأعمال المرشد محمود عزت ويدعمه الأمين العام محمود حسين، وهما من قيادات الخارج، ومعهما في الداخل مسؤول اللجنة الإدارية عضو مكتب الإرشاد محمد عبدالرحمن المرسي، فيما يقف في الجناح الثاني عضو مكتب الإرشاد محمد كمال الذي كان قرر قبل فراره إلى الخارج تعيين محمد منتصر ناطقاً باسم الجماعة، وهو قرار رفضه الجناح الأول. بدأ الصراع عندما سعى كمال إلى الهيمنة على صناعة القرار وعزل الداخل عن الخارج، فشكل عدداً من اللجان لتكون بديلة عن مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة، هي غالباً اللجان النوعية التي تطاردها قوات الأمن وتقول إنها مسؤولة عن عمليات العنف الفردية التي يقوم بها أعضاء في الجماعة، فيما سعى جناح عزت وحسين إلى استعادة السيطرة على إدارة الجماعة، وأقدما على معاقبة قادة الجناح الآخر. وتجلى الصراع في رفض ”اللجنة الإدارية العليا للإخوان في الداخل” عبر بيان رسمي قرار ”مكتب شؤون الإخوان في الخارج”، ومقره لندن، إقالة منتصر. وبينما كانت وسائل إعلام ”الإخوان” تروج لثورة جديدة في 25 كانون الثاني (يناير) المقبل، خرج مسؤول ”اللجنة الإدارية العليا” عضو مكتب الإرشاد محمد عبدالرحمن المرسي، المحسوب على جناح عزت، ببيان كشف فيه تفاصيل الأزمة التي تشهدها الجماعة، موضحاً أنه ”عندما حدثت الأزمة في لجنة الإدارة السابقة في أيار (مايو) الماضي، تم الرجوع إلى مجلس الشورى العام لضبط الأمور، وانعقد المجلس في حزيران (يونيو) الماضي وشارك في التصويت 70 عضواً من الداخل والخارج، وشكل مجلس الشورى لجنة من أعضائه للتحقيق مع من تسبب في تلك الأزمة من الإدارة السابقة، وتشكيل لجنة إدارة موقتة لإدارة العمل لمدة ستة شهور اعتمد في تشرين الأول (أكتوبر) لإنجاز المهام المطلوبة، وتعمل تحت إشراف القائم بأعمال المرشد محمود عزت، وتشكلت لجنة لتلقي طلبات تعديل اللائحة وتطوير الجماعة لتنتهي من ذلك في مدة ثلاثة شهور”. غير أن عدداً من أعضاء اللجنة الإدارية رفضوا الصلاحيات المحددة لهم، كما رفضوا أيضاً قرارات مجلس الشورى، وامتنعوا عن أداء المهام الموكلة إليهم، وسربوا بعض المداولات فجرى تشكيل لجنة من أعضاء مجلس الشورى من قبل القائم بأعمال المرشد العام للتحقيق في المخالفات بدأت عملها في آخر تشرين الأول الماضي، وانتهت إلى إيقاف عدد من الأعضاء لمدة تتراوح بين شهرين وثمانية شهور، فكان رد فعل هؤلاء الأعضاء الرفض والاعتراض على إعفاء منتصر من منصبه. قد تكون كل تلك التفاصيل بعيدة من اهتمام المواطن العادي في مصر، لكن الباحث والمدقق في تاريخ ”الإخوان” وأفعالهم يدرك أنها المرة الأولى التي يجد فيها الجماعة تترنح تحت وطأة خلافاتها بينما الدولة المصرية تترسخ.