يطلّ البروفيسور أحمد بجاوي طيلة هذا الموسم الرمضاني على الجمهور من خلال برنامجه "السينما والثورة" على قناة "الذاكرة"، حيث يعرض في سهراته السينمائية بعض روائع الشاشة الفضية الجزائرية، مع سرد كلّ تفاصيل إنجازها، وسياقها الزمني، بعضها كان شاهدا حيا عليها. وبعض ما قدّمه قيل لأوّل مرة عبر التلفزيون. يُبث البرنامج يوميا في العاشرة ليلا. وترافقه الإعلامية الشابة غنية صديق التي كتبت على صفحتها الإلكترونية مؤخرا: "تجربة مميّزة، أتيحت لي الفرصة للعمل إلى جانب البروفيسور أحمد بجاوي. وهو شرف كبير، ومكسب لا يقدر بثمن. التقديم برفقته أضاف لي الكثير من المعرفة والإلهام، خاصة في استكشاف العلاقة العميقة بين السينما والتاريخ... كما إنّ العمل مع الفريق التقني والمخرجة وسيلة شاكر، كان تجربة ممتعة، حيث ساد بيننا تناغم مهني، ساهم في إخراج البرنامج بأفضل صورة". وقالت: "إنها تجربة ستظلّ محفورة في ذاكرتي. وأتمنى أن تكون بداية لمزيد من المشاريع الهادفة في مجال السينما"، شاكرة بالمناسبة، القائمين على المركز الوطني للسينما والسمعي البصري. ومن الروائع التي قدّمها السيد بجاوي فيلم "سنوات الجمر" الذي افتكّ السعفة الذهبية في مهرجان كان الدولي سنة 1975، علما أنّه كان حاضرا خلال التتويج. وتحدّث بالتفصيل عن وصول الفيلم إلى قائمة الترشيح في وقت لم يكن مبكرا من عمر المهرجان. وتنبّأ الجميع بأنه هو من سيفتكّ الجائزة الكبرى. "وقائع سنين الجمر" لمحمد الأخضر حمينة، إنتاج الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية. وفيه تبدو حالة البؤس والفقر والظلم، وأيضا الغضب الذي بدأ يحرّك الشعب الجزائري نحو الثورة العارمة. وقال بجاوي إنّ الراحل بومدين كان مهتما بالفيلم، لكنّه كان يفضّل فيه الجانب الثوري، علما أنّ الفيلم ينطلق من فترة الثلاثينيات، وصولا إلى اندلاع الثورة التحريرية التي تنبأ بها مولود، الذي أدى دوره المخرج نفسه، وكان دور درويش لا يحاسَب على كلامه، يقول ما يشاء، بينما هو حكيم كان ينتظر اندلاع الثورة، ويحض عليها. وهنا قال بجاوي في هذا البرنامج المهم، إنّ الدور كان سيؤديه الراحل رويشد، لكن حدث سوء تفاهم بينه وبين حمينة الذي لم يكن له وقت كاف للبحث عن ممثل آخر، فأدى هو الدور. كما أكد أنّ الكاتب المعروف رشيد بوجدرة شارك في كتابة السيناريو رغم أنّ ذلك لم يُذكر كما يجب فيما سبق، وهو ما ظهر أيضا في أشعار ميلود وحكمه التي كتبها كلّها بوجدرة، مثمّنا حضور التراث الشعبي الزاخر في الروائع السينمائية القديمة. وعن حالة البؤس والجوع والظلم والتقتيل التي تجسّدت في مشاهد الفيلم، قال الأستاذ بجاوي إنّها أبكت رئيسة لجنة تحكيم دورة كان في سنة 1975؛ لذلك يعدّ الفيلم من روائع السينما. روائع بأقلّ التكاليف عن سينما الثورة دائما والإنتاج السينمائي بعد الاستقلال، أشار الأستاذ بجاوي إلى أنّها كانت تعتمد على الوعي والإبداع وحب السينما، ثم تأتي الإمكانيات، مؤكّدا أن أغلب الروائع كانت مقابل ميزانيات زهيدة. وكان المخرجون والتقنيون خاصة مديري التصوير ذوي المستوى العالي يتجاوزون النقص المالي والمادي بعبقريتهم ومواهبهم. وفي هذا الإطار تم عرض رائعة "نوة" للمخرج عبد العزيز طلبي. وهو فيلم خرج من رحم الشعب، الذي عرف الاستعمار وظلمه، فكان نجومه من واقع المأساة؛ لذلك ظهر مقنّعا وفظيعا، وكان كلّ شيء فيه كما كان أيام الثورة؛ في ديكور طبيعي، وبأناس من سكان القرى (قالمة)؛ وكأنّه دليل إدانة في وجه الاحتلال. وتم عرض فيلم "أبناء نوفمبر" للراحل موسى حداد، وهو وجه آخر للثورة في المدن، يقدّم تضحية ومشاركة الطفل الجزائري في الثورة، بطله مراد بن صافي (قام بدوره عبد القادر حمدي) بائع الجرائد الذي يعيل أسرته رغم إصابته بمرض القلب، ليتحوّل نتيجة ظروف قاسية، من فتى مغمور إلى المطلوب رقم واحد من الشرطة الفرنسية. وهنا يختلف مفهوم البطل في السينما؛ فهو ليس نجما معروفا، لكنّه يأخذ دور البطولة أمام عمالقة التمثيل منهم علال المحب مثلا. وقال الأستاذ بجاوي إنّ هذه الأفلام جاءت في فترة شهدت زخما في الإنتاج؛ أي من بداية السبعينيات حتى بداية الثمانينيات. وكان هدفها ترسيخ فكرة أنّ "الشعب هو البطل". وحسبه فإنّ ذلك كان مقصودا لرصّ الصفوف، ومناهضة الجهوية. فيلم آخر تمّ عرضه وهو "الطريق" الذي أخرجه محمد سليم رياض. يحكي الثورة من خلال المعتقلين الجزائريين في سجون فرنسا. وكان بمثابة التزام من المخرج تجاه رفقائه في الكفاح. كما يُعد الفيلم رسالة لأجيال الغد. وفي الصمود أمام الجلاد في عقر داره بفرنسا، ورغم الأسر، كان الرفض مباشرا لديغول في "صلح الشجعان". كما تم عرض فيلم "هروب حسان طيرو" (ملون) من إخراج مصطفى بديع سنة 1974، وهو امتداد للفيلم الأول "حسان طيرو" للخضر حامينة سنة 1967. وهنا ذكر بجاوي مدى التكامل والتنسيق بين مخرجي تلك الفترة؛ إذ كان حامينة يحضر أحيانا، ويتابع التصوير، ويتحدّث مع بديع. ورأى صاحب هذا البرنامج أنّ هذه الوقفة مع تاريخ السينما الجزائرية، هو، أيضا، عرفان وتقدير لصنّاع السينما الجزائرية في مرحلتها الذهبية. وكذلك بالنسبة للممثلين الذين كان يتم ذكر أسمائهم، وانتقاء مشاهد من أعمالهم، والتحدّث عن مسارهم. وأكّد بجاوي أنّهم كانوا يتفوقون على الممثلين الأجانب في تلك الأعمال؛ منها مثلا فيلم "سنوات الجمر"؛ حيث استعان حامينة ببعض الممثلين اليونانيين. تحية للمرأة الجزائرية في سياق حلقات البرنامج، خُصّصت وقفة للمرأة الجزائرية المناضلة، التي وقفت صامدة إبان الاحتلال، وواصلت بعدها النضال للدفاع عن حقوقها، ولذلك تم اختيار فيلم "الفحام" للمخرج بوعماري. وهو أوّل عمل طويل له، تجاوز مفهوم البطولة الكلاسيكية. كما جعل من المرأة (فطومة أوصليحة) مدافعا عن القيم، ومحاربا في وجه الطبقية الجديدة.