* نقص الرؤية الإخراجية أثّر بعض الشيء على العرض إذا كان برنارد شو من الأوائل الذين كتبوا الكوميديا السوداء وعالج فيها مجموعة من المواضيع التي تعد طابوهات، تمكن من خلالها جلب الجمهور بأسلوب هزلي كوميدي، فإن مسرحية ”صاحي بالنوم” للكاتب رشدي رضوان وإخراج عبد الكريم بيريبر لم تبتعد كثيرا عن هذا القالب، حيث نالت استحسان الجمهور القسنطيني في أول عرض لها مساء أول أمس بمسرح قسنطينة الجهوي. ليس سهلا أن تضحك الجمهور دون الوقوع في فخ الاستسهال والتهريج، ولكن إن كان النص الذي تقدمه قويا وتملك ممثلين من قيمة الهاني محفوظ ومحمد بزاحي ونسرين بلحاج وبدرجة أقل جعفر بن حليلو، فإن الجمهور سيشاهد العرض دون ملل، وهو ما حصل فعلا في مسرحية ”صاحي بالنوم” عن نص لرشدي رضوان وإخراج عبد الكريم بيريبر ومن إنتاج المسرح الوطني الجزائري. تعالج مسرحية ”صاحي بالنوم” قصة ”موح” الذي يؤدي دوره الهاني محفوظ، يعمل كحارس ليلي في متحف ويعيش ليلة استثنائية يختلط عليه فيها الواقع بالخيال، وتتداخل عليه الأحداث والمشاهد في جو تراجيدي ساخر يكون فيه فضاء الذاكرة حيزا ركحيا مستفزة لأسئلة جدوى الماضي وحسابات المستقبل. ثنائية الحب والخيانة هي ما حملته مسرحية ”صاحي بالنوم” هذه الجدلية جعلت من ”موح” يعيش بين نارين، بين الوفاء لوطنه وعمله والحفاظ على المتحف الذي يشتغل فيه، ليس لأنه مصدر رزقه، وإنما لاعتبارات معنوية تتعلق بالوطنية والتاريخ الذي جعل تيمة متداخلة اتكأت عليها حكايات الحب والخيانة والحاجة والمال، حيث يقف البطل على عتبة السؤال بين قبول القبض والخيانة أو التضحية والوفاء، وهنا يظهر ذكاء كاتب النص الذي دور الشخصيات مع تيمة المسرحية بشكل فكاهي أو ساخر مع الاحتفاظ بجانب الجدية في الموضوع المتعلق برمزية التاريخ، وهو أحد المواضيع الأساسية التي تعالجها الكوميديا السوداء حيث تتضمن الموت، الحب، الخيانة، التضحية، الجريمة وما شابه ذلك. في هذا المتحف الذي يحمل من الرمزية ما يحمل ينتظر ”موح” حبيبته ”حجلة” أدت دورها نسرين بلحاج، تدفعه ظروفه القاسية التي منعته من الزواج بان يستقبل حبيبته ليلا في المتحف، وفي ولعة الانتظار يدخل عليه صديقه ”ريشة” (محمد بزاحي) يلعب الدور وكأنه سكران ليأخذ الحبيان في عالمه فيسكران حتى فقدان الوعي، وهنا تدخل أسئلة الحلم أو اليقظة ف” ريشة” الذي يخطط لمشروع سيء بالتواطؤ مع أحد المجرمين الذي يريد تفجير المتحف، يجد نفسه مغمى عليه بعد أن خاطبه تمثال أحد المجاهدين في المتحف. العمق في المسرحية كان موجودا والأسئلة طرحها كاتب النص وصورت الأحداث بطريقة هزلية، ولكن بنوع من السطحية، ففجأة يظهر الغريبان اللذان يحاولان التأثير على نفسية الحارس ولعب ورقة المال لإقناعه بوضع القنبلة داخل المتحف بهدف تفجيره من أجل الاستيلاء على قطعة الأرض، وهنا يظهر بعض الفراغ بين المشاهد الأولى والثانية حتى ولو تم تعزيتها بحجة الحلم واليقظة، ويطرح السؤال حول دور المخرج في إيجاد الرابط بين الحالات، واستعمال الأداء المباشر الذي يحتوي على جرعة الكوميديا، وكل المشاهد جاءت هكذا تقريبا دون رسائل تحمل إشارات ضمنية، ما يغيب احتمالية الكتابة الثانية للنص من طرف المخرج، وهو ما صرح به المخرج الذي قال بأنه لم يغير الشيء الكثير في النص، مضيفا بأنه يحب هذا النوع من الكوميديا البسيطة التي تعالج المواضيع الاجتماعية والنص عالج موضوعا حساسا، ويأتي هذا الخيار من أجل جلب الجمهور وإعادته إلى المسرح. من جهته، قال رشدي رضوان أن النص اظهر وطنية الجزائري الذي ورغم كل ما يعانيه من مشاكل اجتماعية، ورغم أنه يلجأ إلى الحرقة ولكن تكفي مباراة في كرة القدم من اجل إخراجه إلى الشوارع للاحتفال بأي نصر يحققه، وهو ما حملته المسرحية والتي رغم المشاكل التي يواجهها البطل، إلا أنه يضحي من أجل الوطن وحبيبته.