ميّز الحملة الانتخابية التي يسدل الستار عليها اليوم في الساعة منتصف الليل، حدة الخطاب التهجمي بين الأحزاب والمرشحين، وتراشق واتهامات متبادلة غطت بشكل واضح على ”فراغ” البرامج، في حين ظل التقليد السياسي ”المناظرة” غائبة حيث كانت لتعكس تنافسية أفكار الأحزاب أكثر من أي خطاب آخر. وفضل السياسيون المشاركون في الانتخابات التشريعية اختيار مسار ”قصف” بعضهم البعض بالثقيل على وسائل الإعلام دون أن يتجادلوا وجها لوجه بالحجة واليقين، فقد صارت الاتهامات بين مختلف التشكيلات السياسية الشغل الشاغل للكثير منها وانتهاج سيناريو الرد على التصريحات المضادة بدلا من التركيز على البرامج الانتخابية وإثراء أفكارها برؤى فاعلة تخدم الجزائريين خلال مرحلة أزمة النفط والاستقرار الأمني. ولعل التراشق بين زعيمي حزبي السلطة الأمين العام للأفالان جمال ولد عباس، وغريمه من الأرندي أحمد أويحيى كان أبرز صراع، يذكر بوصف هذا الأخير عندما كان رئيسا للحكومة ولد عباس في 2007 ب”بابا نوال”! واشتعلت حرب التصريحات بين الاثنين مؤخراً على خلفية من هو الأولى بخدمة رئيس الجمهورية، واعتبر ولد عباس بوتفليقة ملكا ”لجبهة التحرير لوحدها”. بل إن الأمين العام للحزب العتيد في تجمع شعبي في ولاية بسكرة، صرح بأن الصحابي عقبة بن نافع، الذي يعتبر من أبرز قادة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، هو ”مِلكٌ لجبهة التحرير الوطني لوحدها”. كما تعرض حزب أحمد أويحيى في الأيام الماضية إلى هجوم عنيف من قبل ولد عباس الذي يشارك الأرندي السلطة، ونعته ب”الحزب المفبرك”، ليرد بأن الأرندي وليد فترة عصيبة كانت تمر بها الجزائر وهو حزب نوفمبري، مضيفا أن قوائم حزبه تخلو من المال القذر ولم تأت بالشكارة. أما رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، فقد ترجى زعيمي حزبي السلطة جمال ولد عباس وأحمد أويحيى بعدم تزوير الانتخابات التشريعية المقبلة. وقال مقري إن ”زعيمي حزبي السلطة اعترفا في وقت سابق بتزوير انتخابات ماضية حفاظا على مصلحة الوطن”، و”نحن نرجوهم ألا يزوروا هذه المرة”. وفي كلمته شدد مقري على أن التزوير هو أشد الآفات فسادا في أي نظام وأي دولة. كما كانت دعوته الصريحة للتجمع الوطني الديمقراطي إلى الانسحاب من سباق الانتخابات البرلمانية، بهدف منح الفرصة لباقي الجزائريين، الذين يريدون تكرار تجربتهم مع أحمد أويحيى، الذي تولى رئاسة الحكومة في أكثر من مرة، إضافة إلى مناصب وزارية ومسؤوليات أخرى. واتهم رئيس حركة مجتمع السلم، أويحيى باستعمال وسائل الدولة في حملته الانتخابية، مستدلا بمنع قانون الانتخابات الأحزاب، حتى لو كان من يقودها مسؤول في الحكومة، من استعمال الوسائل العمومية في الحملة الانتخابية. وسارت الأمينة العام لحزب العمال لويزة حنون على الخط ذاته، فقد هاجمت رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات الذي يروّج - حسبها - لإنجازات إيجابية للهيئة التي يتولى رئاستها، في الوقت الذي يثبت الواقع عكس ذلك في حملة انتخابية ملوثة منذ بدايتها بفعل سيطرة ولا سيما الأفالان الذي يستعمل وسائل الدولة في حملته الانتخابية دون ردعه من طرف اللجنة. وهذا التراشق بين مختلف الشخصيات الحزبية لم يثر اهتمام الناخبين الباحثين عن برامج انتخابية ملموسة تتجاوز خطاب الإحماء والتهجم، ما عزز من مخاوف شبح العزوف.