لا! ليس بوجدرة هو من أهين في برنامج الكاميرا المفضوحة على إحدى القنوات الخاصة، وإنما سلطة الضبط ومن ورائها وزارة الإعلام والصحفيين بصفة عامة هم من أهينوا ومسحوا الأرض بالمهنة لما نزلوا بها إلى المستنقع. فكيف لصحفي ينقل ويقرء ويشاهد يوميا الفضائع التي تقترفها داعش من ذبح وحرق وتخريب واغتصاب وسبي، أن يتقمص دورها في لعبة قذرة ويروع من؟ يروع أحد أعمدة الأدب الجزائري معتقدا أنه سيضحك ويضحك الناس منه؟ هل قرأ صاحب كاميرا العار ولو كتاب واحد لبوجدرة؟ لا أعتقد أنه قرأ اصلا، ولو فعل لما سمح لنفسه بالضحك عليه أو على غيره بدعابة سمجة؟ قد نختلف في الكثير من المواقف مع الرجل، بل ونلقي عليه باللائمة لأنه سمح لهم مرة أخرى بوضعه في موقف سخيف، بعد برنامج المحكمة على قناة أخرى، لكن قضية إيمانه أو إلحاده تخصه هو وحده، فكيف لصحفي ما زال في بداية خطواته المهنية أن يسمح لنفسه بلعب دور قذر كهذا ويقلل من علاقة بوجدرة أو أي شخص آخر ويجعله موضوعا للتندر والسخرية؟ ما نفع سلطة ضبط إذا كان رئيسها وأعضائها لا يقومون بدورهم، فهل هناك من يضغط على شخصية في حجم الصحفي الزميل زواوي بن حمادي، الرجل الذي تقلد عدد من المناصب الإعلامية وشرفها، وأعطى الإذاعة الوطنية دفعا ومكانة ما زالت تعيش إلى اليوم على رصيده، كيف له أن يسمح بهذا الجنون؟ بدأوا ببلحمر، ثم شميسو، وأكذوبة رحمة ربي وراحوا ينزلون بالذوق العام وبعقول الشباب إلى مستوى غير مسبوق في الانحدار، وما زالوا يتمادون في غيهم، لغياب سلطة الضبط التي تحترم عقول المواطنين على الأقل، ما دامت غير قادرة على تقديم منظومة تربوية وإعلامية في المستوى، أن تحد من السقوط على الأقل إلى الهاوية. نعم، لقد وصلنا إلى أسفل الدركات ولم يعد في إمكاننا الحفر أكثر، وهذا الإعلامي والمثقف الفلسطيني عادل سمارة، يكتب منتقدا إذلال بوجدرة في برنامج الكاميرا ويقول ”الجزائر تذل ألمع روائييها، أذلوا أنتم الإعلام، ربما رشيد بوجدرة أفضل قامة روائية عربية اليوم، هو نجيب محفوظ الجزائر بدون تطبيع من أجل جائزة نوبل (...) هل إهانة بوجدرة جزء من المسح المنهجي لتاريخ الثورة الجزائرية...”. نعم يبدو أن الأمر حقا يتعلق بنوع من الانتقام من الثورة، ليس فقط بإدخال الجبهة في سوق النخاسة لبيع لحمها بأرخص ثمن، بل بكل ما نقرأه ونسمعه، عبر الإعلام، وما نزلت إليه الطبقة السياسية من فساد، فكل يوم يخرج علينا الإعلام بفضيحة، عصابات لنهب المال العام وأخرى تبيع وتشتري كرامة المواطنين والوطن، فحتى في شهر التوبة لم يكفوا على إيذاء الناس، وكثرة الفضائح تقتل الفضيحة يقول المثل الفرنسي، حتى صار الفساد شطارة، واللصوص رموز ولم يعد للمجتمع معايير يقيس عليها. فهل من ”رجل” ينقذ ما يمكن إنقاذه؟