أصبحت المزابل وأماكن رمي القمامات في مختلف أحياء العاصمة مكانا للشغل ووسيلة للقضاء على البطالة التي يعاني منها معظم الشباب، وما لمسناه ونحن نتجول ببعض أسواق العاصمة أنه غالبا ما يكون المترددون على هذه الأماكن من فئة النساء• ومن المفارقات التي وقفنا عليها أن أغلبية النسوة اللواتي رأيناهن يبحثن في المزبلة المركزية لسوق على ملاح بساحة أول ماي لاختيار ما يصلح حسبهن، كن عجائز متقدمات في السن لعدم مبالاتهن بذلك مقارنة بالشباب الذين يجدون في ذلك حرجا• الفقر من أسباب اللجوء للاسترزاق من المزابل تقربنا من بعض النساء اللواتي كن منهمكات في فرز بقايا اللحوم والخضر، رفضن في البداية الحديث معنا، ومع إصرارنا نطقت إحداهن كانت مرتدية حجابا قديما وعجارا أخفت به وجهها الذي بدا لنا كئيبا من شدة الحزن قائلة "الفقر هو الذي جعلنا نلجأ الى المزابل يا ابنتي"، مضيفة أنها قصدت المكان لتأخذ منه ما يكفيها لسد رمق أبنائها الخمسة، فهي تتولى مسؤولية عيشهم بعد أن توفى والدهم ولم يعد لهم معيل، فهي ترتاد على هذا السوق منذ عدة سنوات معتبرة إياه مصدر رزق أساسي لها، إضافة إلى ما يجود به بعض المحسنين من أقاربها• وأردفت قائلة "إنه ينفعني في كل مرة، ولم أرجع يوما فارغة اليدين، كما أنه لا يفضحني ولا يمن علي" وهي تتصرف في البقايا التي تتحصل عليها لسد رمق عائلتها• وفي السياق ذاته أضافت المتحدثة ذاتها أن عائلتها تتعرض في الكثير من الأحيان الى تسممات غذائية جراء الأكلات التي تحضرها من تلك البقايا، الا أنها تقول إن الله هو الشافي وهم يشربون زيت الزيتون ليشفوا"• "لا خيار لنا أمام شبح البطالة" ومن جهة أخرى أضافت عجوز وجدناها تلتقط بقايا من أكوام النفايات في سوق باب الواد وتضع في قفتها أن شبح البطالة الذي يعاني منه أبناؤها بالرغم من تحصلهم على شهادات معترف بها، وعدم قدرتها على ممارسة مهنة التنظيف في بيوت الناس وذلك لتقدمها في السن، فهي اختارت مجاورة المكان الذي ترمى فيه بقايا السمك، مضيفة أنه بحكم كون مختلف أنواع السمك مواد قابلة للفساد في أقصر وقت، خاصة في أوقات الحر، فإن الباعة غالبا ما يلجؤون لبيعها في آخر الصبيحة بأقل سعر• وبالتالي تغتنم هي الفرصة لجمع ما يرمى من سمكات قبل تعفنها، كما أن ذات الباعة غالبا ما يمدونها بكمية من بقايا السمك الذي لم يتمكنوا من بيعه، خاصة السردين لتتولى تنقيته بذات المكان وتأخذ ما يصلح للاستهلاك لبيتها لتعد منه "شطيطحة سردين " أو تقليه، والمهم أنها تستعمله لتغذية عائلتها وكفى"• الباعة•• تلك النسوة يعانين الفقر المدقع ولدى اقترابنا من بعض باعة الخضر والفواكه المصطفة طاولاتهم على سوق علي ملاح بالجزائر العاصمة صرحوا لنا أن مرتادي السوق نسوة كبيرات في السن ومعروفات لدى عامة الباعة، حيث باتت وجوههن مألوفة لديهم، وهو الأمر الذي أكدته لنا إحدى النساء قائلة إنها تسترزق من المزابل منذ عشرات السنين محاربة للفقر، فهن يصلن إلى ذات المكان في أوقات جد مبكرة ويتحين فرص رمي التاجر سلعته الفاسدة ليلتففن حولها• وأضاف الباعة أنهم يفضلون وضع البقايا جانبا لتجنيب هؤلاء النسوة الغطس في الزبالة ولكي يبقوا على نظافة المواد المرمية بالرغم من عدم صلاحيتها، كما صرحوا أن المواطنين يجودون في الكثير من الأحيان عليهن بالمساعدة• الأطفال يبحثون عن الأشياء الثمينة بعلم أوليائهم نفس الديكور يتكرر في الكثير من الأسواق الجزائرية وأحياء أخرى راقية كحي سونلغاز ببن عكنون، إلا أن هذه المرة لفت انتباها أطفال كانوا منهمكين في البحث في القمامات المرمية، عساهم يجدون أشياء ثمينة تعود عليهم بالأرباح، وأوضحوا لنا أنهم في الكثير من الأحيان يجدون أشياء ذات نوعية كالهواتف النقالة والذهب، وذلك نظرا لخفتهم في الفرز، وهم يزاولون هذه المهنة في المساء بعد مغادرة مقاعد الدراسة• ومن جهة أخرى صرح لنا بعضهم أن أولياءهم على دراية بما يقومون به إلا أنهم لا يبالون، ومازاد الطين بلة تشجيع بعضهم أبناءهم على هذه الممارسات• كما صرح لنا بعض الأطفال أنهم يقومون بجمع قارورات البلاستيك وكذا العلب المصنوعة من النحاس لإعادة بيعها لبعض التجار الذين يقومون بتكريرها وصناعة أشياء أخرى منها•