وفي الحالة الثانية: فإن الغالب أن الرجل إذا طلق الطلقة الأولى أن يتعقَّل ويذوق مرارة الطلاق، ويعرف هذه المرارة فيحِن إلى زوجته إذا كان ظالماً ومسيئاً، فيشعُر بقيمة الزوجة عند الفراق لها، فيحِن لها فيراجعها، فأَعْطَاه الله الرَّجْعَة، فإن رجع إليها رجع لها بعقلٍ غير عقله الذي كان معه، ويرجع إليها ببصيرة أكمل من بصيرته في حالِه الأولى، فإذا رجعت إليه ربما أخطأت هي، فإذا أخطأت عليه في هذه الحالة فإنه سيطلقها الطلقة الثانية، فأُعْطُوا أيضاً مهلة ثالثة، فإذا زادت عن الثالثة فلا وجه، فتصبح الحياة فيها نوع من الإضرار، وربما استغل الرجال الطلاق للإضرار بالمرأة، لذلك حدده الله عز وجل بثلاث تطليقات. فالطلقة الأولى لأن الخطأ إما أن يكون منه أو منها؛ فإن تكرر الخطأ منه في الثانية والثالثة، فلن تعود إليه حتى تكون عند زوجٍ غيره، فإذا عاشَرَت زوجاً غيره وطلقها الطلقة الثالثة أدَّبَه الشرع بأن تكون فراشاً لغيره، فيكتوي بنار الغيرة ويتألَّم ويتأوَّه، فإن كانت هذه المرأة عاقلةً حكيمة ووجدت زوجاً أصلح من الزوج الأول وبقيت معه وحمدت الله على السلامة من الأول، فعندها يكتوي الأول وينال عاقبة ظلمه وإضراره. فإن تزوج امرأةً ثانية؛ فإنه يتأَدَّب ولا يُقدِم على الطلاق ولا يهجم عليه؛ لأنه يخاف أن يحصل له مثل ما حصل مع الأولى، وإن نكحت هذه الزوجة زوجاً أضر منه وطلقها ثلاثاً فتحل للأول؛ فإن عادت للأول عادت وهي تحمد ضرره وقالت: هذا أرحم من سابقه، فصبرَت عليه، ثم هو يعود لها بنفس غير النفس التي كان عليها إذاً: تقييد الطلاق بالثلاث فيه حكم عظيمة.