لايزال الشعر قادرا على أن يكون سلاحا لا يفلّ، يرهب العدو، ويبعث الأمل في نفوس المستضعفين، فمنذ انتفاضة الأقصى يكتسب الشعر مذاقا جديدا، ويسهم في المعركة، فقد استطاعت الانتفاضة أن تفك الألسنة من عقالها، وأن تسقط أقنعة الزيف التي كانت تتقدم إلى الناس، ساترة عجزها، باسم التجريب أو الحداثة أو الفن للفن. ويعتبر محمود درويش من أبرز الشعراء الذين استطاعوا بشعرهم ان يرهبوا العدو الإسرائيلي فتكون بذلك كلماته أكثر تأثيرا من الرصاص، وهذا ما تؤكد عليه ردود الفعل حول قصائده لما يُمثِّل صاحبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش من أهمية ليس في الانتفاضة فحسب، بل في بُعد الرؤية، وعمق الفكرة التي تؤسِّس لما يأتي من أفكار أدبية لا تغيب عن الحدث الفلسطيني الممزوج بالدماء، ولا تغيب عنه المبادئ التي ينطلق منها في كلمات ينصهر فيها الأدب مع الوجع والشعر مع القيم والنقد مع الجرح والبطولة كما حدث مع قصيدة "عابرون في كلام عابر" التي أصبحت فيما بعد مقدمة لأعظم مسلسل تاريخي والمتمثل في مسلسل "صلاح الدين الأيوبي". هذه القصيدة التي فعلت فعلها، لأن درويش كتبها بلغة يفهمها العدو والصديق على السواء، فكانت دعوة لليهود إلى أن يغادروا أرض فلسطين، ويرجعوا إلى البلاد التي جاؤوا منها، أو إلى أي جهة شاؤوا، شرط ألا يقيموا بيننا. وعندها قال الإسرائيليون، حتى دعاة السلام منهم، عن القصيدة إنها قصيدة مرة كالموت، وشككوا في تقدمية محمود درويش الذي طالما تغنى بالسلام. أما محمود درويش فيقول في قصيدته هذه: أيها المارون في الكلمات العابرة احملوا أسماءكم وانصرفوا واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة وخذوا ما شئتم من صوركي تعرفوا إنكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء أيها المارون بين الكلمات العابرة منكم السيف - ومنا دمنا منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا منكم دبابة أخرى- ومنا حجر منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر